سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..15 سبتمبر 1882.. القوات الإنجليزية تستكمل احتلال القاهرة وأحمد عرابى يتأهب لتسليم نفسه وعبدالله النديم «خطيب الثورة العرابية» يعود إلى بيته ويرفض مقابلة أحد

دخل الجنرال ولسلى قائد القوات الإنجليزية إلى القاهرة فى يوم الجمعة 15 سبتمبر 1882، وأحكمت قواته السيطرة على العاصمة على أثر هزيمة العرابيين فى التل الكبير يوم 13 سبتمبر والزحف نحو العاصمة، وبلغ الجنود الإنجليز العباسية فى نحو الساعة الرابعة مساء يوم 14 سبتمبر 1882، حسبما يؤكد عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى».
يضيف «الرافعى»: «تولى تسليم القلعة الميرالاى على بك خنفس ذلك الخائن الذى فتح لهم الطريق فى واقعة التل الكبير، واحتل الإنجليز أيضا قصر النيل وقشلاق عابدين، وسلم الجنود الذين كانوا بهما أسلحتهم، فكان ذلك إيذانا باحتلال العاصمة، وخرج بعض الأهلين من سكان باب الشعرية والحسينية يحملون الهراوات بقصد محاربة الإنجليز، ولكن محافظ العاصمة، إبراهيم بك فوزى، رأى فى هذه الحركة عملا لا يجدى ولا يؤدى إلا إلى سفك الدماء، فردهم».
يؤكد «الرافعى»: «دخل الجنرال ولسلى العاصمة صبيحة يوم الجمعة 15 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1882، وكان يصحبه أركان حربه، وسلطان باشا نائبا عن الخديو، ونزل فى سراى عابدين وأمر الخديو بإعدادها له، ونزل الدوق «أوف كنوت» نجل الملكة فيكتوريا فى قصر النزهة بشبرا، وأخذت كتائب الإنجليز تفد على العاصمة تباعا، وما إن دخل ولسلى العاصمة حتى أرسل إلى وزارة الحربية الإنجليزية تلغرافا قال فيه: «انتهت الحرب، لا ترسلوا مدادا إلى مصر».
كان مصير قادة الثورة فور الهزيمة يعكس دراما سياسية وإنسانية هائلة، ينفرد فيها عبدالله نديم خطيبها ومحرضها الجماهيرى بمصير لم يشاركه فيه أحد على الإطلاق، وفقا لوصف أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»، أما «أحمد أفندى سمير» الصديق الحميم للنديم فيكشف فى مقاله المنشور بالجزء الأول من «سلافة النديم»، الذى جمعه عبدالفتاح نديم شقيق عبدالله وأصدره عام 1914: «لما وقعت تلك الألعوبة المضحكة المبكية المسماة بواقعة «التل الكبير»، فر عرابى وأخوه وعلى الروبى وتبعهم النديم فى الخامس عشر سبتمبر سنة 1882 وقت السحر، فحضروا إلى القاهرة فى الساعة الرابعة بعد الظهر، وقصدوا فى الحال قصر النيل مركز نظارة الحربية إن ذاك، وكنت هناك وقتها فرأيتهم فى منظر لا يسر، فقصدت النديم واستخبرته الخبر، فأخبرنى بأن الإنجليز استولوا على التل الكبير ولم يزد على ذلك شيئا، ثم ركب ومعه صاحب له عربة، وتبعتهما بعد قليل إلى بيته، فلم أتمكن من رؤيته لأنى صادفت بالباب من أخبرنى أنه لا يريد أن يقابل أحدا إلا غدا، حيث يكون قد ارتاح من تعب السفر».
يضيف أحمد أفندى سمير: «قصدت فى المساء «15 سبتمبر» بيت عرابى لعلى أقف منه على بعض الشىء، فوجدته يتأهب هو وطلبة عصمت لتسليم أنفسهما وسلاحهما إلى القائد الإنجليزى المخيم بالعباسية، وفى تلك الساعة بلغنى بأن وفدا مؤلفا من نديم وجماعة من العظماء على عزم المضى ذلك المساء إلى الإسكندرية، يحملون كتابا من عرابى ورفاقه إلى أمير البلاد، يتضمن التوبة مما فرط ويعترفون بالعودة للطاعة والخضوع والإذعان».
يكشف «عرابى» حقيقة مسألة «كتاب الطاعة» أو «العريضة» فى المجلد الثانى من مذكراته الصادرة عن «دار الكتب والوثائق القومية» تحقيق ودراسة الدكتور عبدالمنعم الجميعى، قائلا فيها: إنه وصل إلى القاهرة ظهر يوم الأربعاء 13 سبتمبر 1882، وتوجه إلى ديوان الجهادية بقصر النيل ودعا المجلس العمومى للحضور»، ويضيف: «عقدنا مجلسا حافلا من أمراء العائلة الخديوية وأمراء العسكرية والملكية وأعيان القاهرة، وأخبرتهم بهزيمة الجيش المعسكر فى رأس الوادى ثم استشرت المجلس فيما يجب أن يعمل، وهل تستمر المدافعة أم يلزم التسليم لقضاء الله وقدره، فأجاب الأمير إبراهيم باشا أحمد «ابن عم الخديو توفيق»، والأمير كامل باشا فاضل بوجوب الدفاع عن الوطن إلى النهاية، ثم قام إبراهيم باشا أحمد وقال: «الواجب هو الدفاع ما دام فينا بقية، فأجابه الجميع بالاستحسان، ثم استقر الرأى على إنشاء خط دفاعى فى ضواحى المحروسة».
يذكر «عرابى» أنه ذهب إلى العباسية ثم عاد إلى «المجلس العمومى» وأبلغه: «ليس لدينا جيش يقوى على الدفاع، والأولى حقن الدماء وحفظ القاهرة من غوائل الخراب والدمار، وتقديم أنفسنا فداء عن الأمة المصرية سيئة البخت»، ويضيف «عرابى»: «لم يجد أرباب المجلس المذكور أفضل من دفع عريضة باسمنا إلى الخديو نعترف فيها بإيقاف الحرب، ونقدم له الخضوع، ونلتمس منه التوسط لدى الإنجليز بعدم دخولهم القاهرة حفظا لها من الخراب، فحرروا العريضة ثم أرسلوها إليه مع بطرس باشا «وكيل الحقانية» ومحمد رؤوف باشا «حكمدار السودان السابق ورئيس المحكمة العسكرية لمحاكمة عرابى وقادة الثورة»، وعلى باشا الروبى، ويعقوب سامى باشا، وحملوا العريضة وتوجهوا فى قطار مخصوص إلى الإسكندرية لمقابلة الخديو».

Trending Plus