خالد صلاح يكتب: (قمة الدوحة) التوقيت يحسم نصف المعركة.. فهل ننتصر فى النصف الثانى ويتحول مشروع الأمن المشترك الذى شدد عليه الرئيس السيسى إلى حقيقة؟

فى السياسة كما فى الحروب لا قيمة للموقف ما لم يتم طرحه فى اللحظة المناسبة، وفى التوقيت الذى يتناسب مع حجم التحديات، وبتطبيق معيار التوقيت فإن القمة العربية الإسلامية التى انعقدت فى الدوحة قد ضمنت النجاح حين اجتمع قادة الأمة العربية، مع زعماء العالم الإسلامى فى توقيت قياسى بعد العدوان الأحمق الذى وقع على الأراضى القطرية، فانعقاد القمة بعد أيام قليلة من العدوان الإسرائيلى على سيادة قطر لم يكن صدفة ولا إجراء بروتوكوليا، بل رسالة واضحة بأن العرب والمسلمين قادرون على التقاط اللحظة والرد بسرعة، وأن الهجوم على قطر ليس شأنا محليا بل اعتداء على الأمن القومى العربى والاسلامى بأسره، ومن ثم فإن إسرائيل تخطئ أن توهمت أن عدوانها يمكن أن يمر مرورا عابرا دون موقف موحدة، أو رد فعل حاسم.
الحضور الرفيع المستوى من قادة وزعماء المنطقة أعطى القمة وزنها وثقلها السياسى، وقد كان واضحا أن سرعة التجاوب مع دعوة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى عكست إدراكا جماعيا بخطورة اللحظة، فالتاريخ مليء بالقمم التى ضاعت قيمتها بسبب التأخير أو التردد، لكن قمة الدوحة كسرت هذه القاعدة وأكدت أن الاستجابة السريعة تعنى أن الأمة ما زالت قادرة على الحركة إن أرادت.
قطر لعبت دورا محوريا فى هذا المشهد، فهى التى واجهت العدوان بصلابة، وأصرت على أن الاعتداء لم يكن عليها وحدها بل على كل الأمتين العربية والإسلامية، واستطاعت أن تجمع الصف العربى والإسلامى فى ظرف أيام قليلة، لتثبت أن الدولة الصغيرة بحجمها الجغرافى يمكن أن تكون كبيرة بأفعالها السياسية إذا امتلكت الإرادة، ووضوح الرؤية ومن هنا فإن دعم قطر ليس مجاملة لشعب شقيق، بل انحياز أكيد لمفهوم الأمن الجماعى العربى والإسلامى.
لم تكن القمة هذه المرة مجرد منصة لتبادل الكلمات، بل وضعت تحديا حقيقيا أمام القادة، وهو أن تتحول التوصيات والقرارات إلى فعل على الأرض، فقد سئمت الشعوب من بيانات الشجب والتنديد، ولم تعد تقبل إلا بخطوات عملية، والمطلوب اليوم هو آلية تنفيذية تعكس أن التضامن لم يعد رفاهية بل صار شرطا للبقاء، فى مواجهة الصلف الإسرائيلى المتهور وغير المسبوق، وأن التنسيق العربى الاسلامى فرض عين وحتمية وجودية لحماية السيادة والكرامة العربية والإسلامية.
ووسط هذا المشهد جاء الموقف المصرى ليعطى القمة بُعدا إضافيا، فقد ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمة يمكن اعتبارها من أكثر الكلمات دقة وواقعية، بدأها بالإشادة بدور قطر وبأهمية توقيت القمة، معتبرا أن الاجتماع ينعقد فى لحظة بالغة الدقة، ثم أكد أن العدوان الاسرائيلى على قطر يمثل انتهاكا جسيما للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتهديدا مباشرا للأمن القومى العربى والاسلامى، وهو بذلك وضع الاعتداء فى حجمه الصحيح باعتباره تهديدا جماعيا وليس حادثا معزولا.
الرئيس السيسى قال بوضوح إن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت كل منطق سياسى وعسكرى وتخطت كافة الخطوط الحمراء، وأدان العدوان على قطر بأشد العبارات، مشيرا إلى أن استهداف دولة تضطلع بدور محورى فى الوساطة مع مصر والولايات المتحدة لإنهاء حرب غزة يعكس طبيعة حكومة نتنياهو المنفلتة التى لا تحترم أى جهد للسلام وتتعمد إفشال كل فرص التهدئة، وهنا يكتسب الخطاب المصرى أهمية مضاعفة، فهو من ناحية يمثل تضامنا كاملا مع قطر، ومن ناحية أخرى يمثل فضحا مباشرا لسياسات إسرائيل أمام العالم.
ومن النقاط المهمة التى شدد عليها الرئيس السيسى فى كلمته إشارته إلى القرار الصادر عن مجلس الجامعة العربية فى دورته الوزارية الأخيرة، تحت عنوان الرؤية المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة، وهو ما اعتبره نواة يمكن البناء عليها وصولا إلى إطار حاكم للأمن والتعاون العربى والإسلامى، والرئيس السيسى هنا لم يكتف بالإدانة ولا بالتحذير، بل طرح مسارا استراتيجيا يقوم على تأسيس آلية عربية إسلامية تقوم على حماية المصالح المشتركة ومنع أى طرف من فرض ترتيبات أحادية على حساب الأمن الجماعى، وهذه الفكرة تمثل نقلة نوعية لأنها تربط بين الموقف الحالى وما يمكن أن يصاحبه من ردود أفعال، وبين مشروع مستدام لحماية المنطقة من الفوضى والعدوان وأوهام الهيمنة الإسرائيلية.
الرئيس السيسى شدد كذلك على أن الانفلات الإسرائيلى والغطرسة المتزايدة اللذين يتطلبان من القادة العرب والمسلمين عملا مشتركا لإرساء إطار للأمن والتعاون، محذرا من أن استمرار هذه السياسات لن يجلب سوى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار على المنطقة، ووجه رسالة للمجتمع الدولى بضرورة وضع حد لحالة الإفلات من العقاب ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات الصارخة، وهذه دعوة واضحة إلى أن الكلمات وحدها لا تكفى ما لم تصحبها إجراءات عملية فى مجلس الأمن والمحاكم الدولية.
ولعل أكثر ما ميز خطاب الرئيس السيسى هو مخاطبته لشعب إسرائيل مباشرة، حين قال إن ما يجرى يقوض مستقبل السلام ويهدد أمنكم وأمن كل شعوب المنطقة ويجهض اتفاقات السلام القائمة ويضع العراقيل أمام أى فرص لاتفاقيات جديدة، وهنا تجاوزت الكلمة إطار الإدانة التقليدية لتضع حكومة نتنياهو فى مواجهة الشعب الإسرائيلى، مبينا أن الغطرسة لا تصنع أمنا بل تدفع الجميع إلى الخسارة، وهو خطاب يضعف حجج الحكومة الاسرائيلية ويفضح تناقضها أمام العالم.
لقد أحسنت قمة الدوحة فى جمع العرب والمسلمين بسرعة، وأحسن الرئيس السيسى فى وضع الأمور فى نصابها الصحيح، وما تبقى هو أن تتحول هذه الكلمات إلى واقع ملموس، فالتوقيت نصف المعركة كما أثبتت القمة، أما النصف الآخر فهو التنفيذ الذى يثبت للعالم أن العرب والمسلمين ليسوا مجرد كتلة صامتة بل قوة قادرة على الفعل وصناعة السلام العادل وحماية سيادتهم وكرامتهم فى مواجهة إسرائيل.

القمة العربية
قمة قطر
قطر
القمة العربية بالدوحة
موعد القمة العربية 2025
موعد القمة العربية الطارئة
موعد القمة العربية القادمة
مؤتمر القمة العربية
القمة العربية الاسلامية
القمة العربية قطر
القمة العربية الدوحة
القمة العربية في الدوحة
القمة العربية في قطر
القمة العربية الاسلامية قطر
اجتماع القمة العربية
Trending Plus