سعيد الشحات يكتب: ذات يوم .. 16 سبتمبر 1798.. الاحتلال الفرنسى يخمد هجوم أهالى دمياط بمشاركة أسطول حسن طوبار وأهالى عزبة البرج ينضمون للثورة ثم يتركون البلد بعد الهزيمة قاصدين سوريا

امتدت شعلة ثورة الشعب المصرى ضد الاحتلال الفرنسى الذى قدم إلى مصر فى حملة يقودها نابليون بونابرت، وكان لأهالى دمياط نصيب فى هذه الثورة، حيث اشتركوا فيها وكذلك أهالى البلاد المجاورة لها، منذ أول سبتمبر 1789، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
يذكر «الرافعى» أن دمياط كانت وقت مجىء الحملة الفرنسية من أهم بلاد القطر المصرى من الوجهتين الاقتصادية والحربية، وكانت مركزا تجاريا وصناعيا كبيرا، تصدر منه البلاد وترد إليها وارداتها القادمة من سوريا وقبرص والأناضول وتركيا واليونان وفرنسا، وبها كثير من الوكائل والحانات التجارية، واشتهرت بتجارة الأرز والأقمشة والمنسوجات والخشب، وكانت تزاحم الإسكندرية فى مركزها التجارى، واشتهرت هى والقرى المحيطة بها بصناعة الأقمشة إذ تنسج بها أحسن منسوجات القماش والحرير والتيل بالقطر المصرى.
يضيف «الرافعى» أن عدد سكان دمياط فى ذلك العصر مختلف عليه، ففيما قدره البعض بستين ألف نسمة، يرى الرافعى أن هذا التقدير فيه شىء من المبالغة، ويذكر أن «المسيو جومار» أحد مهندسى الحملة الفرنسية قدرهم بعشرين ألفا، وإحصاؤه أقرب إلى الثقة لأنه جاب أنحاء مصر ودرس أحوالها عن كثب، ويقول إن «كلوت بك» قال فى كتابه «لمحة عامة إلى مصر» الذى وضعه عام 1840، أن عدد سكان دمياط فى عهد محمد على كان يتراوح بين 25 و30 ألفا، ويذكر «الرافعى» أنه من المحقق أن دمياط كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر ثانى بلد فى القطر المصرى بعد القاهرة فى عدد السكان، ويقول الدكتور «ديجنت» كبير أطباء الحملة الفرنسية فى كتابه «التاريخ الطبى لجيش الشرق» إن عدد سكان دمياط كان وقتئذ يزيد على ضعف سكان المنصورة.
وأيا كان عدد سكان دمياط والحالة الاقتصادية والاجتماعية التى كانوا عليها، فإنهم قاوموا الاحتلال الفرنسى، وكان الشيخ حسن طوبار فى طليعة قيادات هذه المقاومة، ويذكر الرافعى: «تكرر فى كثير من رسائل وتقارير القواد الفرنسيين فى مديريتى المنصورة ودمياط اسم «حسن طوبار» شيخ بلد المنزلة فى ذلك الحين كزعيم للمحرضين، وخصم عنيد لا يستهان به، ومدبر لحركات المقاومة فى هذه الجهات»، وينقل الرافعى عن تقرير قدمه أحد قيادات الحملة الفرنسية وهو الجنرال «أندريوسى» إلى المجمع العلمى بمصر، ووضعه بعد أن ارتاد بحيرة المنزلة: «إن لسكان هذه الشواطئ أربعين رئيسا يتبعون الشيخ حسن طوبار الذى احتكر الصيد فى البحر لقاء جعل «بتسكين العين» للحكومة، وحسن طوبار من أكبر أغنياء القطر المصرى، وربما كان أغناهم وهو من المنزلة، وفى أسرته مشيخة البلد يتوارثونها من أربعة أو خمسة أجيال، وله سلطة واسعة تقوم على مكانته فى النفوس، وثورته وعصبيته من ذوى قرباه، وأتباعه، وعلى مؤازرة العرب الذين يقطعهم الأراضى ليزرعوها، ويغدق على رؤسائهم بالهدايا والتحف.
بدا قلق الفرنسيين من حسن طوبار بمجرد بدء حالة الاضطراب والهياج حولها من أوائل سبتمبر سنة 1798، ويذكر «الرافعى» أن الجنرال «فيال» أرسل إلى الجنرال «دوجا» ينذره بقرب هجوم الثوار على المدينة ويطلب المدد، وينبئ بأن حسن طوبار يحشد أسطولا كبيرا فى بحيرة المنزلة لمهاجمة المدينة، وبالفعل وقع الهجوم المنتظر ليلة 16 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1798، واشترك فيه أهالى البلاد المجاورة لدمياط، كما اشترك فيه أيضا أسطول حسن طوبار الذى تحرك فى بحيرة المنزلة قاصدا شطوط دمياط.
يصف «الرافعى» ما حدث بعد تحرك أسطول حسن طوبار، قائلا إنه وصل إلى «غيط النصارى» شرقى المدينة، والتقى الأهالى القادمون من القرى بالنازلين من السفن، وكانوا مسلحين بالبنادق والرماح، وساروا قاصدين دمياط، لمهاجمة قوة الجنرال فيال، فقتلوا الحراس الفرنسيين المرابطين فى المخافر الأمامية للمدينة.
يؤكد الرافعى، أن القتال ظل متواصلا ليلة 16 سبتمبر 1798 إلى أن رتب الجنرال قواته فتحول موقفه من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن من التغلب على الثوار، وردهم على أعقابهم بعد ما كبدهم خسائر جسيمة، وانسحب معظمهم إلى شاطئ البحيرة، فركبوا السفن التى كانت تنتظرهم، واتجهت فرقة منهم إلى قرية «الشعراء» فتحصنوا بها، وهذه القرية من دمياط على مرمى المدفع، فاتخذها الثوار معسكرا لهم، وجاءهم المدد من بحيرة المنزلة، وفى خلال ثورة دمياط قام أهالى عزبة البرج وثاروا بالحامية الفرنسية فقتلوا من أدركوهم من رجالها، ولما علموا فى اليوم التالى أن ثورة دمياط أخمدت، وأن الفرنسيين لا بد آتون للاقتصاص منهم أخلوا البلدة بعيالهم ونسائهم، وانحدروا فى المراكب قاصدين إلى سواحل سوريا، وأنفذ الجنرال فيال حملة على تلك البلدة فوجدتها خالية من السكان فنهبتها وأحرقتها وعادت إلى دمياط.

Trending Plus