هآرتس: آلاف الجنود الإسرائيليين يتركون الخدمة بسبب أهوال غزة

قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إن الصدمات النفسية تفتك بالجيش الإسرائيلي وإن الأدلة تكذب مزاعم القيادة العسكرية، وتشير إلى أن آلاف الجنود النظاميين تركوا الخدمة بسببها منذ بداية الحرب في قطاع غزة، وكثير منهم إلى غير رجعة.
ونشرت الصحيفة تحقيقا مطولا استغرق أشهرا روى جنود فيه تجاربهم مع الضغط النفسي الرهيب الذي سلطته الحرب، ما اضطرهم إلى ترك الخدمة بسبب الإرهاق، وفي أحيان قليلة نسبيا بسبب صحوة الضمير.
وروى جندي في لواء ناحال -قدّمته الصحيفة باسم يوني وعمل في قوة لتأمين سلاح الهندسة في حي بيت لاهيا في قطاع غزة- كيف أنه أخذ في أحد الأيام يطلق وابلا من الرصاص بعدما اعتقد رفيق له بوقوع هجوم شنه مقاتلو كتائب عز الدين القسام، ليتبين أن "العدو" امرأة وطفلاها البالغان من العمر ثماني إلى عشر سنوات، لقوا مصرعهم جميعا.
وقال يوني "كان الدم يملأ المكان .. شعرت برغبة في التقيؤ، لكن الضابط قال لي ببرود، كما لو أن الأمر لا يتعلق ببشر: لقد دخلوا المنطقة المحرمة. إنه خطؤهم. هكذا هي الحرب".
وأضاف يوني -الذي نقل لاحقا إلى وظيفة غير قتالية- "ما زالت ملامحهم تقض مضجعي. لا أدري إن كنت سأستطيع يوما نسيانهم".
وتحدثت هآراتس إلى العديد من الجنود النظاميين ممن شعروا أنهم لم يعودوا قادرين على أداء أدوار قتالية، وعزوا ذلك إلى الإرهاق أو إلى الضغط النفسي، لكن بعضهم قال أيضا، إن ضميره لم يعد يقبل ما يجري.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية، إن الشهادات لا تشي بأعداد هامشية، وإنما -حسب مصادر في إدارة الموارد البشرية- بألوف سرحوا من الخدمة النظامية، وبعضهم من الجيش كلية بسبب تدهور صحتهم العقلية، في حين نقل عدد قليل نسبيا إلى أدوار لوجيتسية أو للعمل في الخطوط الخلفية.
وحسب ضباط آخرين تحدثوا إلى الصحيفة، فإن عدد من يعاني اضطرابات نفسية أكبر مما يعلنه الجيش.
وقال ضابط في كتيبة مشاة، إن عشرات الجنود على مستوى وحدته، يريدون ترك القتال، و"رغم أن الظاهرة ليست جديدة فإنها لم تكن أبدا بهذا الأبعاد".
وقال ضابط آخر يعمل في كتيبة مدرعات "لا يكاد يمر يوم دون أن يطلب جندي نقله".
لكن الانتقال إلى أدوار غير قتالية لا يكفي دائما لتضميد الجرح.
كذلك حالُ بيني وهو قناص في لواء ناحال كان مسؤولا عن "تأمين" المساعدات الإنسانية في شمال غزة بحماية من الطائرات المسيرة والقوات المدرعة.
وروى بيني كيف أن الجيش يرسم خطا وهميا لا يعرفه إلا هو، ويطلق النار على كل من يتجاوزه، وكأنها "لعبة قط وفأر" مع السكان.
وقال: "أطلق خمسين إلى ستين رصاصة في اليوم. توقفت عن العد، ولا أعرف كم قتلت. قتلت منهم كثيرا .. كثيرا من الأطفال".
ورغم أن بيني لم يرغب في أحيان كثيرة في إطلاق النار -كما يزعم- فإنه كان يشعر أنه لا يملك قراره، فقد "كان القائد يصيح فينا عبر جهاز الراديو أنْ أطلقوا النار .. إنهم يتقدمون نحونا .. الوضع خطر!".
ويضيف "لم يكن الضباط يبالون إن قُتل أطفال أم لا، ولا يبالون بما يفعل ذلك بروحي".
وروى بيني كيف باتت تلك المشاهد تقض مضجعه حتى إنه بات يشم رائحة الجثث في كل … … كريهة، ويتبول على نفسه ليلا كطفل في الرابعة، بل ويحلم أنه يبيد عائلته.
"عليكم أن تفهموا أن القناص، خلافَ الطيار، يرى ضحاياه عبر منظار البندقية"، يقول بيني.
يسعى بيني جاهدا لترك الجيش فـ"أنا لا أستطيع البقاء ولو دقيقة أخرى .. فعلتُ ما فعلت لأنني اعتقدت أنني أحمي أصدقائي وأهلي، لكن ذلك كان خطأ" قبل أن يضيف: "لا أثق في القادة ولا في الحكومة".
ويتلكأ الجيش في الإفراج عن البيانات المتعلقة بالجنود النظاميين الذين لم يعودوا قادرين على القتال، لكن "حتى عندما يقدمون بيانات من هذا القبيل، فإنهم يتلاعبون بها" حسب ضابط سابق في قسم الموارد البشرية.
وقال هذا الضابط "لا نجهل حجم الظاهرة فحسب لكن أيضا أسلوب تعاملهم معها".
ويزعم الجيش الإسرائيلى أنه لا توجد سياسة موحدة تحكم التعامل مع الجنود الذين يطلبون نقلهم إلى أدوار غير قتالية.
ورغم أن الضباط ملزمون بتطبيق تعليمات قسم الصحة حين يقرر القسم أن جنديا ما لم يعد قادرا على أداء مهام قتالية، فإن القرار متروك لتقدير كل ضابط في الحالات الأخرى.
وقال ضابط في لواء كفير لهآراتس، إنه لن يزج في ساحة المعركة بجندي لا يرغب في القتال، وقادة آخرون لا يكترثون -حسب الصحيفة – لرغبة جنودهم، ويصرون على الزج بهم في المعركة، رغما عنهم.

Trending Plus