إعادة فرض العقوبات على إيران يضع الاتفاق النووي على المحك.. ما هي آلية "سناب باك" التي تخشاها طهران؟.. تحرك روسي صيني ضد الترويكا الأوروبية.. وإيران: التهديدات الغربية سياسية تفتقر إلى أساس قانوني

في خطوة وصفت بأنها الأكثر صرامة منذ سنوات في ملف إيران النووي، قررت دول الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا) المضي قدماً في تفعيل آلية "سناب باك" أو ما يعرف بـ"كبح الزناد"، والتي تعني إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران بشكل تلقائي ودون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن، متهمة طهران بانتهاك بنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وهو القرار الذي يضع الاتفاق النووي برمته أمام اختبار مصيري، ويعيد خلط الأوراق بين القوى الكبرى، وسط رفض إيراني ودعم روسي صيني لطهران.
تاريخ الاتفاق النووى
الاتفاق النووى المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وقع في يوليو 2015 بين إيران من جهة، والترويكا الأوروبية إلى جانب الصين وروسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ونص الاتفاق على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على طهران مقابل التزامات صارمة بتقييد برنامجها النووي، غير أن الاتفاق تلقى ضربة قوية بعد انسحاب واشنطن في 2018 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب، ما فتح الباب أمام توترات متصاعدة وانهيار تدريجي للثقة بين الأطراف.
وفي ذلك السياق، صادق مجلس الأمن على الاتفاق عبر القرار رقم 2231، الذي أتاح إمكانية تفعيل "سناب باك" خلال مدة زمنية محددة، تنتهي في 18 أكتوبر المقبل، وتمنح الآلية أي طرف من الموقعين حق إعادة فرض العقوبات إذا اعتبر أن إيران أخلت بالتزاماتها، وهو ما استندت إليه أوروبا اليوم.
ما هي آلية "سناب باك"؟
"سناب باك" تعني ببساطة إعادة فرض العقوبات الدولية تلقائياً في حال ثبوت خرق إيران للاتفاق، بحيث تعود جميع القرارات الأممية السابقة (2006 – 2010) إلى حيز التنفيذ، وتشمل: حظر الأسلحة التقليدية المفروضة على إيران، وحظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وقيود صارمة على الصواريخ الباليستية ونقل التكنولوجيا المرتبطة بها، وتجميد أصول مالية إيرانية محددة، وقيود سفر على شخصيات وكيانات مرتبطة بالبرنامج النووي، منح الدول الأعضاء صلاحية تفتيش السفن والطائرات الإيرانية بحثاً عن مواد محظورة.
الآلية لا تحتاج إلى إجماع داخل مجلس الأمن، بل تعود العقوبات تلقائياً إذا فشل المجلس في تمرير قرار بتمديد رفعها خلال 30 يوماً، ما يجعلها أداة ضغط استثنائية، لا يمكن لروسيا أو الصين عرقلتها بالفيتو.
ما هي الخطوات التي تحدث بعد تفعيل الآلية؟
خلال 30 يوماً من تفعيل "سناب باك"، يطرح أمام مجلس الأمن مشروع قرار لتمديد رفع العقوبات. يتطلب ذلك تأييد 9 أعضاء على الأقل من أصل 15، مع عدم استخدام الفيتو من أي عضو دائم، غير أن أوروبا التي تقدمت بالشكوى يمكنها بنفسها إسقاط القرار عبر التصويت ضده، وهو ما يجعل إعادة فرض العقوبات أمراً شبه مؤكد بنهاية سبتمبر المقبل، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي بديل.
أسباب اتخاذ القرار من الجانب الأوروبى
أكد وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا أن قرارهم لا يستهدف الشعب الإيراني، بل يهدف إلى منع طهران من الوصول إلى مستوى عسكري في تخصيب اليورانيوم، وأشاروا إلى أن رفع إيران نسبة التخصيب إلى 60% لا يمكن تبريره بأغراض مدنية، محذرين من أن جميع الدول التي بلغت هذا المستوى من التخصيب أنتجت في النهاية سلاحاً نووياً.
كما عرضت الترويكا الأوروبية على طهران تمديداً مؤقتاً قبل العودة الكاملة للعقوبات، شريطة السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول المنشآت النووية، والحد من مخزون اليورانيوم المخصب، والانخراط في مفاوضات جديدة مع واشنطن.
الموقف الإيراني بعد اتخاذ القرار من أوروبا
إيران من جانبها اعتبرت الخطوة الأوروبية "تصعيداً غير مبرر"، وحذر وزير الخارجية عباس عراقجي من أن بلاده ستوقف التزاماتها بالكامل إذا أعيد فرض العقوبات، ووفق نص الاتفاق، فإن أي عودة للعقوبات تُعد "سبباً مشروعاً" لإيران للتخلي عن التزاماتها.
وترى طهران أن الغرب هو من خرق الاتفاق أولاً بانسحاب الولايات المتحدة، وأن أوروبا انحازت للعقوبات الأمريكية بدلاً من الوفاء بتعهداتها الاقتصادية تجاه إيران، كما تؤكد أن برنامجها النووي "سلمي بحت" ويهدف لتوليد الطاقة والبحث العلمي.
التحرك الروسي – الصيني كحليف استراتيجي لإيران
في مواجهة الخطوة الأوروبية، تحركت موسكو وبكين سريعاً بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يمدد الاتفاق حتى أبريل 2026، مع تضمين بند يمنع أوروبا من تفعيل "سناب باك"، وأكدت الدولتان، أن تحرك الترويكا "معيب قانونياً ومدمر سياسياً"، مشددتين على أن أوروبا نفسها لم تلتزم ببنود الاتفاق.
رغم ذلك، تدرك روسيا والصين أن آلية "سناب باك" لا يمكن تعطيلها بالفيتو، لكنها تمنحهما مساحة للضغط السياسي ورفض تطبيق العقوبات عملياً داخل أراضيهما.
وتمثل العودة المحتملة للعقوبات الأممية عزلة اقتصادية خانقة لطهران، تشمل قطاع النفط والغاز والبنوك والنقل البحري والجوي، وهي عقوبات سبق أن كبدت إيران خسائر بمليارات الدولارات خلال الفترة من 2006 حتى 2015، قبل توقيع الاتفاق.
وفي ظل تراجع المفاوضات مع الغرب، وبعد الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة على منشآت نطنز النووية في يونيو الماضي، تجد إيران نفسها أمام معادلة صعبة: إما القبول بمرونة تفاوضية، أو مواجهة عزلة دولية جديدة قد تضعف موقفها الداخلي والإقليمي.
ويمثل إعادة تفعيل آلية "سناب باك" ضربة جديدة لجهود إحياء الاتفاق النووي، وتكشف عن تصدع الثقة بين الأطراف الموقعة عليه، بينما ترى أوروبا أن الوقت ينفد لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، تصر طهران على أن التهديدات الغربية سياسية وتفتقر إلى أساس قانوني، أما روسيا والصين، فترى في الأزمة فرصة لتعزيز تحالفهما مع إيران في مواجهة الضغوط الغربية.

Trending Plus