المستشار الألمانى يعلن انتهاء "الدولة الاجتماعية".. ويؤكد: نظام الرعاية الاجتماعى عبء لا يمكن تحمله.. ميرتس: تجاوز 31% من الناتج المحلى ولا بد من وقفة لتعزيز موازنة الجيش

دخلت ألمانيا جدلًا سياسيًا واجتماعيًا، عقب تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس المثيرة للجدل، والتي حذر فيها من أن الدولة الاجتماعية بشكلها الحالي لم تعد قابلة للتمويل، مؤكداً أن الوقت قد حان لإصلاح جذري يضمن استدامة نظام الرعاية.
وأعادت هذه التصريحات، النقاش حول مستقبل ما أسموه "دولة الرفاة" الألمانية، ودفعت وسائل الإعلام الأوروبية إلى طرح تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد تقف على أعتاب مرحلة جديدة من التحولات البنيوية.
وخلال مؤتمر حزبه الديمقراطي المسيحي في مدينة أوسنابروك بولاية سكسونيا السفلى، شدد ميرتس على أن الاستمرار بالنهج الحالي بات عبئاً لا يمكن تحمله، لافتاً إلى أن ائتلافه الحاكم المكون من التكتل المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي مقبل على أسابيع وشهور حاسمة، مضيفًا: ألمانيا ليست في المكان الذي أود أن تكون فيه، علينا أن نصبح أفضل وسيكون ذلك عملاً شاقاً بالنسبة لنا في الخريف.
جاءت تصريحات ميرتس، بمثابة رسالة مباشرة إلى الشريك الاشتراكي الذي يرفض المساس ببرامج الرعاية الاجتماعية، وأوضح أنه لن يسهل الأمر على حلفائه، في إشارة إلى استعداده لخوض مواجهة سياسية مفتوحة.
وأشارت صحيفة دويتش فيله، إلى البيانات الرسمية التي تظهر حجم التحدي، الذى قرر المستشار دخوله، إذ بلغ الإنفاق الاجتماعي في ألمانيا أكثر من 31% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، أي ما يعادل 1.3 تريليون يورو، ويستحوذ التقاعد وحده على 408 مليارات يورو، يليه التأمين الصحي القانوني 325 ملياراً، والتأمين الصحي الخاص 31 ملياراً، إلى جانب المعاشات والرعاية والتأمين ضد البطالة.
وللمقارنة، كانت نسبة الإنفاق الاجتماعي لا تتجاوز 20% في سبعينيات القرن الماضي، وقفزت إلى 25% بحلول عام 1990 مع الوحدة الألمانية.
ويثير هذا النمو المضطرد قلق الخبراء، خاصة في ظل شيخوخة الهرم السكاني وتزايد الضغوط المرتبطة بالتحول المناخي ومتطلبات الإنفاق الدفاعي، حيث تستعد ألمانيا لإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية وزيادة موازنة الجيش.
من جانبه اعتبرت صحيفة "فيلت" الألمانية المحافظة، تصريحات ميرتس خطوة ضرورية جاءت متأخرة، محذرة من أن تجاهل الأزمة قد يؤدي إلى "انهيار أنظمة الضمان الاجتماعي".
وأضافت الصحيفة أن طمأنة المواطنين من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي يفتقر إلى المسؤولية، داعية إلى تحرك سريع وشجاع.
وفي المقابل، حذرت صحيفة "بيلد" واسعة الانتشار من أن الإصلاحات المقبلة ستشمل إجراءات غير شعبية، مثل رفع سن التقاعد إلى 68 عاماً أو زيادة المساهمات عند زيارة الطبيب، معتبرة أن التراخي على حساب الدولة أمر غير اجتماعي.
أما صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية فقد وصفت ميرتس بأنه مثير للانقسام ويفتقر إلى الحس التكتيكي، لكنها أقرت بجرأته وصدقه، مؤكدة أن صراحته قد تكلفه سياسياً لكنها تضع النقاش على الطاولة.
وفي إسبانيا، كتبت "إلموندو" أن دولة "الرفاه" كما يعرفها الألمان تقترب من نقطة الانهيار ، مشيرة إلى أن برلين تستهلك من الموارد أكثر مما تنتج، وأن الإصلاح بات حتمياً لحماية رخاء المستقبل.
وبدوره أعلن الائتلاف الحاكم عن "مرحلة جديدة من العمل المشترك"، مع وعد بإطلاق إصلاحات اجتماعية ابتداء من الخريف.
وخلال اجتماع مغلق لقيادات الكتل البرلمانية في فورتسبورغ، قال ألكسندر هوفمان، رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد الاجتماعي المسيحي، إن التحالف يريد بناء جسور في وجه الاستقطاب وكبح الأطراف المتطرفة، مؤكداً أن الإصلاحات ضرورية لاستعادة ثقة المواطنين.
لكن زعيم كتلة التكتل المسيحي ينس شبان اعترف بصعوبة الطريق قائلاً: لقد مررنا بمنعطفات حادة، وعلينا الآن أن نستعيد ثقة المواطنين. نحن ملزمون بتحقيق النجاح من أجل ألمانيا.
من جانبه، أقر رئيس الكتلة الاشتراكية ماتياس ميرش بوجود أخطاء رافقت بداية التحالف، متعهداً بمناقشات صريحة لتفادي تكرارها.
وعلى المستوى الشعبي، تعكس استطلاعات الرأي تراجعاً في شعبية التحالف الحاكم، مقابل صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، وهو ما يضاعف الضغوط على ميرتس وشركائه لإثبات قدرتهم على تقديم حلول واقعية.
ويرى مراقبون أن النقاش الدائر في ألمانيا يتجاوز حدودها الوطنية، إذ إن أي إصلاحات كبرى تطال نظام الرعاية في أكبر اقتصاد أوروبي سيكون لها تأثير مباشر على توجهات السياسات الاجتماعية في القارة بأسرها.

Trending Plus