نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الثانى

"غسيل الأموال على السوشيال ميديا" ما الذى يحدث فى مصر من مشاهير التيك توك؟.. وما الذى ينبغى علينا أن نفعله فورًا؟

خالد صلاح
خالد صلاح
بقلم خالد صلاح

لن أتدخل فى مدى صحة الاتهامات الموجهة لبعض مشاهير التيك توك فيما يتعلق بغسيل الأموال، فهذه جريمة كبيرة، والنيابة وحدها من شأنها إثبات التهمة، والقضاء وحده صاحب الكلمة الأخيرة بشأن هذه الاتهامات، ولكن ما يعنينى هنا أن تتأكد أنت من أن منصات السوشيال ميديا أصبحت بالفعل أحد ميادين غسل الأموال الأكثر خطرا فى العالم، يكفى مثلا أن تعرف أن وزارة الخزانة الأمريكية اتخذت إجراءات عنيفة ضد ما أسمته (أدوات الإخفاء الرقمية) وطاردت تحت هذا المسمى تطبيقات تحويل أموال داخل وخارج الولايات المتحدة تروج لنفسها عبر منصات السوشيال ميديا، وتقوم بتنفيذ عمليات من خلال حسابات وسائل التواصل الاجتماعى، ولاحقت منصات للتجارة فى العملات المشفرة، كما طاردت عمليات بيع وشراء تتم عبر تيك توك، وقدمت عشرات الأمثلة على ضبط أدوات مالية رقمية لا تمر عبر الجهاز المصرفى للدولة.

لم تعد جريمة غسيل الأموال مقتصرة على حركة النقد داخل البنوك والمؤسسات المالية التقليدية كما كان الحال فى العقود الماضية، بل أصبحت اليوم ظاهرة عابرة للحدود تتسلل من خلال التكنولوجيا الحديثة والمنصات الرقمية التى يظن البعض أنها مجرد أدوات ترفيه أو تواصل اجتماعى، أن التحويلات الصغيرة التى يقوم بها المستخدمون على تطبيقات مثل تيك توك أو يوتيوب أو إنستجرام، سواء فى صورة هدايا افتراضية أو إعلانات ممولة أو دعم مباشر، قد تتحول بسهولة إلى وسيلة فعالة لإخفاء مصادر الأموال المشبوهة وإعادة ضخها فى الاقتصاد بشكل يوحى بالشرعية، ويهمنى أن تعرف أنت أنه هذه حقيقة وليست مجرد افتراضات نظرية، بل هى واقع تؤكده تقارير مالية دولية تقدر حجم الأموال المغسولة عبر المنصات الرقمية بمليارات الدولارات سنوياً فى أكثر من بلد، مما يجعل القضية ذات بعد عالمى لا يخص مصر وحدها.

قد تتساءل أنت مستنكرا، ما الذى يضر النظام المصرفى المصرى إذا قمنا بتحويل أموال عبر هدية على تيك توك، أو دعم لقناة على يوتيوب، وأقول لك الخطر أكبر مما تتصور أن تركنا هذه العمليات تتم دون رقيب، وبلا حساب.

الخطر الأول: هو تهديد النظام المالى بالكامل إذ يمكن استخدام المنصات فى تمرير أموال غير مشروعة عبر تحويلات صغيرة متكررة يصعب على الأجهزة الرقابية رصدها فى غياب آليات دقيقة، وفى ظل عمليات إخفاء عمدية تتم على منصات السوشيال ميديا.

أما الخطر الثانى: فهو فى استغلال هذه التحويلات فى تمويل أنشطة غير قانونية قد تتراوح بين تجارة المخدرات وتمويل الإرهاب ونشر التطرف، وقد أثبتت عدد من قضايا الجماعات الإرهابية استخدام منصات مثل تيلجيرام وغيرها فى تشفير التعليمات، واستخدام منصات تحويلات مالية فى تمويل هذه العمليات، واستخدام قنوات يوتيوب متعددة لجمع تبرعات للقناة، فى حين تتجمع هذه الأموال فى النهاية فى حساب بنكى واحد للإنفاق على أنشطة إرهابية.

الخطر الثالث: هو الإضرار بالشباب أنفسهم، حيث يمكن أن يجدوا أنفسهم متهمين أو ملاحقين قضائياً لمجرد أنهم تلقوا أموالاً عبر المنصات من دون إدراك لطبيعة المخاطر القانونية، مما يهدد مستقبلهم التعليمى والمهنى، وما زلنا نتابع قضية مشاهير التيك توك لنعرف من ستثبت عليه التهمة، ومن سينجو من هذه القضية الشائكة.

الخطر الرابع: هو ضرب ثقة المستثمرين فى الاقتصاد الرقمى المصرى، فغياب القواعد المنظمة يخلق حالة من الفوضى والارتباك قد تنفر الشركات الناشئة وتحد من فرص جذب الاستثمارات فى قطاع واعد كهذا، وتجعل المكسب السريع أهم من إنشاء منصات تجارية حقيقية.

هذه المخاطر تجعل من الواضح أن القضية ليست مجرد فضائح شخصية أو حملات إعلامية عابرة، وإنما ناقوس خطر يستدعى تحركاً قويا من كافة أجهزة الدولة، وأهمها مجلس النواب المنوط به دراسة هذا الواقع واقتراح البدائل التشريعية الممكنة لتنظيم هذا العالم الغامض.

فإذا كانت أوروبا قد وضعت تشريعات شديدة الصرامة لحماية البيانات ومكافحة غسل الأموال عبر الإنترنت، وإذا كانت الولايات المتحدة قد ألقت بعبء الضرائب والمحاسبة المالية على كاهل كل صانع محتوى، وإذا كانت بعض دول الخليج قد بدأت تجذب المكاتب الرسمية للمنصات العملاقة لإخضاعها للقوانين المحلية، فإن مصر بدورها مطالبة اليوم بإعادة صياغة رؤية رقمية متكاملة لا تكتفى بالعقوبات، بل تؤسس لنظام واضح ومستدام يضمن نمو القطاع الرقمى من جهة، وحمايته من العمليات المشبوهة والإجرامية من جهة أخرى.

وفى تقديري فإن الرؤية التى تحتاجها مصر يجب أن تقوم على عدة من المحاور:
1. المحور الأول: هو التنظيم المالى، بحيث يتم إلزام منصات السوشيال ميديا بتحويل الأموال عبر القنوات المصرفية الرسمية وتحت رقابة البنك المركزى، مع فرض شفافية كاملة على مصادر الأموال وتدفقاتها، ولكن ذلك لن يتم إلا من خلال تطبيق المحور الثانى.

2. المحور الثانى: وهو إقامة شراكات رسمية مع المنصات الدولية الكبرى مثل ميتا وجوجل ويوتيوب عبر مكاتب إقليمية فى القاهرة، تخضع للقانون المصرى وتتحمل مسؤولية الرقابة والتعاون مع الأجهزة المختصة (لا يجوز أن تبقى هذه المنصات بعيدا عن مظلتنا القانونية المصرية وتعمل تحت قوانين بلدان أخرى)

3. المحور الثالث: هو تأسيس رؤية تشريعية استراتيجية للرقمنة، لا تضعنا فى خانة البحث عن مشكلات لسدها بالقوانين، لا، بل تتيح لنا فرصة تنظيم شامل لعمليات الرقمنة الحكومية والمالية والتشريعية والاجتماعية والأمنية بحيث نتعامل مع منظومة شاملة وليس مجموعة من القوانين المشتتة التى تصدر فى المناسبات دون رؤية شاملة للأفق التشريعى للرقمنة.

4. المحور الرابع (وهو من أهم المحاور فى تقديرى): هو بناء هوية رقمية وطنية، بحيث يرتبط كل حساب رقمى ببيانات موثقة للمستخدم تمنع الحسابات الوهمية وتحد من استغلال المنصات فى أنشطة مشبوهة، ببساطة (بطاقتك أو باسبورك الإلكترونى) وهما مرتبطان ببيانات الحيوية أو المصرفية أو الوظيفية بحيث يصعب على أى شخص تأسيس حساب وهمى، أو الإقدام على أى جريمة الكترونية فى الخفاء.

إذا كنا نريد أن نتحرك من خانة رد الفعل إلى موقع الفعل فعلينا العمل من الآن على هذه المحاور لإعادة صياغة المنظومة الرقمية المصرية على نحو عصرى، فنحن لا نريد تعطيل رقمنة مصر من خلال تخويف القطاع الأكبر من الشباب من التعامل المالى على الإنترنت، ولكننا نريد تشجيع الشباب على العمل والإبداع وفق منظومة قانونية عادلة وقابلة للتطبيق وبسيطة فى التعامل مع تفاصيلها القانونية.

ولذلك أؤكد أن الحوار حول غسل الأموال عبر السوشيال ميديا لا ينبغى أن يتم اختزاله فى أسماء أفراد أو أحكام قضائية مؤقتة، بل يجب أن نفهمهم جميعا باعتباره معركة جديدة فى زمن التحول الرقمى، معركة تتعلق بسيادة الدولة وحماية الشباب وصون الاقتصاد الوطنى.

أؤمن أن مصر اليوم أمام فرصة تاريخية لوضع قواعد لعبة رقمية جديدة، فإذا أحسنت استغلالها تحولت المخاطر الكبرى إلى فرص عملاقة، وأصبح الاقتصاد الرقمى رافدا حقيقيا للنمو، وإذا تجاهلنا ذلك فإن قد نجد أنفسنا بعد سنوات قليلة أمام أرقام أكبر بكثير وجرائم أكثر تعقيدا ومكانة رقمية هزيلة ومهددة بالانقراض.

المستقبل الرقمى لا ينتظر أحدا، والذين يتأخرون عن بناء نظم الحماية والابتكار معا يدفعون الثمن غالياً، ولذا فإن ما تحتاجه مصر الآن هو إرادة واضحة لصياغة رؤية رقمية شاملة، رؤية لا تعادى المنصات ولا تجرم الشباب ولا تكتفى بالشعارات، بل تضع منظومة دقيقة توازن بين الحرية والمسؤولية، بين التحفيز والرقابة، بين حماية المجتمع وإطلاق طاقاته، وعندها فقط يمكن أن نقول إننا تجاوزنا مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، وأننا نبنى اقتصادا رقميا آمنا وقادرا على مواجهة واحدة من أخطر جرائم عصرنا، جريمة غسل الأموال عبر السوشيال ميديا.

مصر من وراء القصد.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

زيف استغاثة الجيزة.. الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة بلا إطلاق نار

نقل المايسترو سليم سحاب إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة

رقص وألفاظ خارجة.. الداخلية تضبط تيك توكر تهدد قيم المجتمع

باريس سان جيرمان يوجه رسالة إلى دوناروما بعد إنتقاله للسيتي

شائعة وفاة ترامب.. الرئيس الأمريكى يظهر بوجه منتفخ وترقب لإعلان غامض.. صور


الحكومة: بدء تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار

168 يوما على أول أيام شهر رمضان.. حسابات الفلك ودليل التقويم الهجرى

ليفربول القياسي وإنفجار ميركاتو إنجلترا على رأس عناوين صحف العالم

سر انهيار صفقة جويهى إلى ليفربول فى اليوم الأخير للميركاتو

حيثيات إعدام سفاح المعمورة: يهتم بمظهره الخارجى والطب النفسى أثبت أنه مراوغ


شاهد كواليس المران الأول للمنتخب استعدادا لـ إثيوبيا فى تصفيات المونديال

ننشر كراسة شروط أراضى الإسكان المتميز بـ9 مدن جديدة

خلال ساعات.. اعتماد نتيجة الدور الثانى للشهادة الثانوية الأزهرية

الراقصة بوسى تغادر قسم شرطة المقطم بعد سداد الكفالة

وزارة التعليم: الأسبوع المقبل بدء العام الدراسى الجديد 2026

اتحاد اليد ينفى التصريحات المنسوبة لمدربه.. واجتماع للمنتخب بدون المحترفين

غياب الأهلى والزمالك عن التشكيل المثالى للجولة الخامسة فى الدورى المصرى

الطقس اليوم.. شديد الحرارة على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 36 درجة

وصول الكتب المدرسية للمدارس استعدادا للعام الدراسي الجديد.. صور

موعد مباراة مصر وإثيوبيا فى تصفيات كأس العالم 2026

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى