"دفعوا أرواحهم ثمنا للحقيقة".. صحفيو غزة فى مرمى طائرات تل أبيب.. وصية "الشريف" تحدث صدى دوليا يفضح جرائم الاحتلال.. يحيى صبيح يستقبل مولوده وتستهدفه إسرائيل بعد ساعات.. وأحمد منصور يحترق على الهواء داخل خيمته

-
استشهاد العدلوني والبردويل مع زوجتهما وأولادهما
-
أنس الشريف خلال وصيته: يعلم الله أننى بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة لأكون سندًا لأبناء شعبي
-
نور عبده ذهب لتغطية مجزرة في مدرسة الكرامة بحي التفاح فأصبح هو ابن عمه الخبر
-
246 شهيدا الرقم الأكبر في تاريخ ضحايا الصحفيين خلال أوقات النزاع
-
استشهاد فاطمة حسونة مع 10 من أفراد أسرتها والتحق بها " تامر انصيو" بعدها بيوم
-
رسالة حسام شبات الأخيرة قبل استشهاده: خاطرت بكل شيء لأنقل الحقيقة
-
زميل أحمد منصور: لم أتخيل أن تأتي لحظة أهرع فيها لإنسان والنار تلتهم جسده
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين: تزايد جرائم الاحتلال ضدنا محاولة للتحكم في السرد الإعلامي
"إن وصلَتكم كلماتى هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت فى قتلى وإسكات صوتي"، كانت هذه مقدمة الوصية التى كتبها الصحفى الفلسطيني أنس الشريف، فى السادس من أبريل الماضى، ليستشهد بعدها بـ4 أشهر بعد صاروخ إسرائيلى استهدف خيمة الصحفيين بجوار مستشفى الشفاء الطبى شمال غزة، ليقتل ستة من الجماعة الصحفية بينهم واحد من أنشط من نقلوا صورة مجازر الاحتلال داخل القطاع، المدهش أن تل أبيب خرجت بعد جريمتها بدقائق لتزعم بأنه إرهابيا وأنها تعمدت قتله مع زملائه وسط صمت عالمى على نلك الإبادة التى شاهدها المجتمع الدولى على الهواء مباشرة.
وصية أنس الشريف
خلال وصيته قال أنس الشريف وكأنه يعلم بأن وقته قد اقترب وبعدما كان ينقل أحبار الحرب للعالم سيكون هو الخبر بحد ذاته :" يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبى، مذ فتحت عيني على الحياة فى أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملى أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلى وأحبّتى إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل" لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ، أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم، أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام".
تغريدة أنس الشريف
تلك كانت رسالة أنس الشريف للعالم وهى رسالة كل صحفى فلسطينى مؤمن برسالته ويضحى بعمره من أجلها، خاصة أن الاحتلال منذ بداية الحرب لم يتوان عن استهداف الجماعة الصحفية فى محاولة لقتل الحقيقة، ووصل عددهم إلى 246 شهيدا وهو رقما قياسيا الأعلى فى تاريخ الحرب، خاصة أن الحرب العالمية الثانية التى مات فيها ملايين البشر كان عدد الضحايا من الصحفيين 69، بينما الحرب الأمريكية فى فيتنام التى استمرت 20 عاما كان عدد الضحايا من العاملين بالمؤسسات الإعلامية والصحفية 63.
نادى الصحافة الأمريكى يهاجم جرائم الاحتلال
جريمة استهداف خيمة الصحفيين لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، إلا أنها كانت أحد أكثر الجرائم التى أثارت غضبا عالميا، دفعت رئيس نادى الصحافة الأمريكى مايك بالسامو يخرج فى ذات اليوم ويشن هجوما على الاحتلال، مؤكدا أن نمط إسرائيل فى وصف الصحفيين بالإرهابيين دون تقديم أدلة موثوقة يثير تساؤلات جدية حول نيتها، وتل أبيب قتلت 180 صحفيا فلسطينيا على الأقل منذ بدء الحرب على غزة.
كما أكد المكتب الإعلامى الحكومى بغزة بعد ساعات من جريمة الاحتلال، أن تمت عملية الاغتيال كانت مع سبق الإصرار والترصد بعد استهداف مقصود ومتعمد ومباشر لخيمة الصحفيين فى محيط مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وأسفرت هذه الجريمة النكراء أيضًا عن إصابة عدد من الزملاء الصحفيين الآخرين.
محاولات لإسكات الحقيقة
وأضاف خلال بيانه، أن استهداف طائرات الاحتلال الصحفيين والمؤسسات الإعلامية جريمة حرب مكتملة الأركان، تهدف لإسكات الحقيقة وطمس معالم جرائم الإبادة الجماعية، وهى تمهيد لخطة الاحتلال الإجرامية للتغطية على المذابح الوحشية الماضية والقادمة التى نفّذها وينوى تنفيذها فى قطاع غزة، محملا إسرائيل، والإدارة الأمريكية، وكافة الدول المنخرطة فى الإبادة الجماعية، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم الممنهجة بحق الصحفيين والإعلاميين فى قطاع غزة.
مطالب دولية بوصول فورى لجميع الصحفيين إلى غزة
كما أكدت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان، إدانتها للمجزرة، مشيرة إلى أن قتل إسرائيل 6 صحفيين فلسطينيين بغزة انتهاك صارخ للقانون الإنسانى الدولى، وأن على الاحتلال احترام وحماية جميع المدنيين بمن فيهم الصحفيون، داعية إلى وصول فورى وآمن ودون عوائق لجميع الصحفيين إلى غزة.
تفاصيل وصية أنس
تحدث محمود الشريف، شقيق أنس، عن تفاصيل تلك الوصية وكتابتها، قائلا فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن شقيقه أرسلها فى شهر أبريل الماضى إلى أحد أصدقائه في الخارج، ولم ينقلها لأشقائه أو أصدقاه داخل غزة لأنه كان يخشى أن تنقطع الكهرباء والإنترنت بسبب استمرار الحرب، ووصى صديقه بأن ينشر تلك الرسالة فور استشهاده.
وكشف عن المكالمة الأخيرة مع شقيقه، قائلا: "المكالمة الأخيرة بيننا اطمئن فيها أنس على كل عائلته، وتحدثنا عن التهديدات التى يتلقاها كل يوم وسألته هل سينزح من شمال غزة لجنوبها مع تهديدات الاحتلال باحتلال القطاع؟ فقال لى بصوت حاسم " لا .. لن أخرج من شمال غزة وإذا نزح كل الناس فلن أنزح للجنوب وسأظل دائما مع الناس أنقل معاناتهم وأوجاعهم للعالم ولن تخيفنى تهديدات الاحتلال المستمرة"، كاشفا أن أخيه تلقى عرضا قبل استشهاده بخمسة أيام للسفر لعدة دول ولكنه رفض رفضا قاطعا، وأصر على البقاء فى غزة حتى تنتهى الحرب".
غزة الأكبر.. جرائم الحروب ضد الصحفيين
استهداف خيمة للصحفيين بمجمع ناصر الطبى
فى ذات الشهر الذى استهدفت فيه قوات الاحتلال خيمة للصحفيين فى مجمع الشفاء، قررت نفس الأمر بعده بأسبوعين فقط وبالتحديد فى 25 أغسطس، ولكن فى مجمع ناصر بجنوب القطاع، عندما استهدفت مجموعة من الصحفيين أثناء تغطيتهم لمجزرة إسرائيلية، أدت لاستشهاد خمسة صحفيين.
وكشف المكتب الإعلامى الحكومي بغزة، أن الاحتلال هاجم باستهداف متلاحق، ولأكثر من مرة، مجمع ناصر الطبى وسط مدينة خان يونس، حيث أسفرت الجريمة عن ارتقاء 19 شهيدًا بينهم 5 صحفيين وعدد من الأطباء وعناصر الدفاع المدنى الذين هرعوا لإنقاذ المصابين فى القصف الأول، إضافة إلى وقوع إصابات متعددة.

غزة الأكبر.. جرائم الحروب ضد الصحفيين
وأكد المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان، أن فريقه الميدانى رصد تحليق مسيّرة إسرائيلية على ارتفاع منخفض جدًا فى سماء مجمع ناصر الطبى قبل استهداف المكان؛ والهجوم لم يكن عشوائيا بل متعمدا ونُفّذ بتوجيه استخبارى دقيق شمل معلومات تفصيلية حول طبيعة المكان المستهدف وهوية الضحايا؛ وهذا النمط لا يشكّل حادثًا منفردًا بل سياسة إسرائيلية متكرّرة وموثّقة فى مواقع متعددة خلال الإبادة الجماعية، موضحا أن ما جرى جريمة متعدّدة الأركان، إذ استهدف الجيش مرفقًا طبيًا محميًا، وقتل طبيبًا وصحفيين أثناء أداء مهامهم، واستهدف مرضى خلال محاولات إسعافهم، وقتل وأصاب عناصر من الدفاع المدنى أثناء قيامهم بواجب الإنقاذ.
وقالت وكالة رويترز حينها، إنها تعبر عن شعورها بالأسى بعد استشهاد صحفى متعاقد معها فى تلك الواقعة، فيما أعربت وكالة أسوشيتد برس عن صدمتها لاستشهاد أحد صحفييها المستقلين، وعرض عدد من الصحفيين الفلسطينيين صور للشهداء الخمسة خلال اللحظات الأخيرة قبل استهدافهم، حيث كانوا يصورون قصف إسرائيلى لمحيط مجمع ناصر.
وصية الشهيدة مريم أبو دقة قبل 24 ساعة من استشهادها
الصحفى الفلسطينى أنس النجار، كشف عبر صفحته على "فيس بوك" وصية زميلته الشهيدة مريم أبو دقة، قائلا: "كنت اعتمد على مريم بشكل كبير فى تصوير التقارير الإخبارية فى جنوب القطاع وفى حساب شغل لها معى، امبارح فى آخر محادثة بينى وبينها بدون مقدمات وبدون سبب بعتتلى رسالة غريبة، حيث أرسلت رقم بنت أخوها وحكت لو ربنا أخد أمانته كلم بنت أخويا وأعطيها الحساب وقول لها الفلوس هذه هدية من عمتك مريم، لما شفت خبر استشهادها انصعقت ومش قادر استوعب الخبر، هو عند الواحد يكون حاسس هيك بقرب الأجل؟".
تغريدة أنس النجار
كما نشر صحفيون فلسطينيون وصية مريم أبو دقة - التى تبرعت بكليتها لوالدها - لابنها "غيث" قبل استشهادها، تؤكد فيه حجم حبها له وأنها فعلت كل شئ كى يعيش سعيدا، كما تدعوه عندما يكبر ويتزوج يسمى ابنته "مريم" على اسم والدته، وتتمنى له السعادة فى حياته.

وصية مريم أبو دقة لابنها قبل استشهادها
فيما نعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، الصحفيين الشهداء من خيرة فرسان الكلمة، الذين استهدفوا بدم بارد أثناء تأدية رسالتهم المهنية والإنسانية، لافتة إلى هذه الجريمة النكراء تمثل تصعيدا خطيرا فى استهداف الصحفيين الفلسطينيين بشكل مباشر ومتعمد، وتؤكد بلا أدنى شك أن الاحتلال يمارس حربا مفتوحة على الإعلام الحر، ومحملة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة.

مريم أبو دقة وابنها غيث
كما طالبت النقابة بمحاسبة قادته كمجرمى حرب، داعية المؤسسات الإعلامية الدولية إلى كسر صمتها، والتحرك العاجل لحماية الصحفيين الفلسطينيين الذين يستهدفون يوميا فى الميدان.
استهداف الصحفيين والقانون الدولي
الصحفيون محميون وفقا لقواعد القانون الدولى، حيث يقصد بتعبير الصحفى فى مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1975، هو كل مراسل أو صحفى أو مصور فوتوغرافى أو مصر تليفزيون ومساعديهم الفنيين السينمائيين والإذاعيين والتليفزيونيين الذين تتمثل مهمتهم فى الإعلام بالأحداث ذات الصلة أثناء وقوع الأعمال العدائية بشكل معتاد بوصفه مهنتهم الأساسية، واستكملت المادة 4 فقرة ألف فى اتفاقية جنيف الثالثة بعبارة "حتى تستجيب لمتطلبات عصرهم" آخذين فى الاعتبار مادة خاصة فى بروتوكول جنيف الأول تتعلق بتدابير حماية الصحفيين، مما أدى إلى صياغة المادة 79 من اتفاقية جنيف والتى تنص على أن الصحفيين الذين يباشرون مهام مهنية خطرة فى مناطق المنازعات المسلحة يعدون أشخاصا مدنيون بالمعنى الوارد فى منطوق الفقرة الأولى من المادة 50، ويجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى الاتفاقيات ويجوز لهم الحصول على بطاقة هوية.
استشهاد صحفيين مع عائلاتهم
فى 14 يوليو الماضى، أعلنت وسائل إعلام فلسطينية، استشهاد الصحفى حسام صالح العدلونى وزوجته وأطفاله الثلاثة، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلى خيمة فى منطقة القرارة شمال مدينة خان يونس بغزة، هذه الواقعة سبقها مشهد هز العالم أجمع، حيث مشهد احتراق الصحفى الفلسطينى أحمد منصور داخل خيمة قرب مجمع ناصر الطبى فى ذات المدينة خان يونس، بعد أن استهدفته طائرات الاحتلال الإسرائيلية بغارات جوية فى 7 أبريل الماضى.
الصحفى الفلسطيني أحمد منصور
احتراق صحفى داخل خيمته على الهواء
المشهد الذى تناقلته الكثير من وسائل الإعلام الدولية للصحفى أحمد منصور وهو يجلس على كرسى وفجأة يسقط صاروخ إسرائيلى يحرق الخيمة التى يقطن فيها صحفيين، يصرخ "منصور" بعدما سيطرت النار على كامل جسده بينما ينظر له زملائه عاجزين عن إنقاذه يصرخون وهم يلقون بعض المياه على جسده دون جدوى حتى احترق هذا الجسد النحيل تماما أمام أعين العالم أجمع.
حينها كشف زميله الصحفى الفلسطينى، عبد الرؤوف شعث، تلك اللحظات التى رأى فيها صديقه فى ذات المهنة يحترق أمامه بينما يقف هو عاجزا عن إنقاذه، قائلا: "لم أتخيل أن تأتى لحظة أهرع فيها إلى إنسان والنار تلتهم جسده، لا لإنقاذه من الغياب، بل من الاحتراق، عندما استهدفت طائرات الاحتلال خيمة الصحفيين فى مخيم ناصر، انفجر كل شيء من حولنا، الصوت، النار، الغبار، والذهول، التفتُّ بسرعة، فإذا بالزميل أحمد منصور يشتعل أمامى، لا مجازًا، بل حقيقة تُفطر القلب، اندفعت إليه بكل ما فى من خوف ومحبة وفطرة إنسانية، حاولت دون شعور ولا أعرف ماذا فعلت ولا أدرى كيف تحركت، كأنّى أطفئ النار المشتعلة فى قلبى، كان يصرخ، وعيناه تبحثان عن النجاة فى وجهى، لم يكن ذلك مشهدًا من فيلم، كان وجعًا حيًّا، حقيقيًّا، يحترق".
واقعتان تشابهت أماكن حدوثهما وهى مدينة خان يونس، واختلف التاريخ، إلا أنهما دلالة على حجم معاناة الجماعة الصحفية فى غزة التى تشهد أبشع جريمة من قبل الاحتلال الذى يتعمد استهدافهم فى محاولة لمنع وصول الحقيقة وصور المجازر التى يرتكبها ضد الشعب الفلسطينى فى القطاع.
واقعة استهداف الصحفى حسام صالح العدلونى وأسرته بالكامل لم تكن الوحيدة داخل القطاع، ففى 16 أبريل استشهدت المصورة الصحفية، فاطمة حسونة بعد قصف الاحتلال الإسرائيلى منزل عائلتها فى حى التفاح بمدينة غزة مع عدد من أفراد أسرتها، حيث شمل الاستهداف 10 من أفراد عائلتها، فى قصف طائرات الاحتلال، وبعدها بيوم واحد فقط استشهد الصحفى تامر انصيو "مقداد" وابنته وعدد من أفراد عائلته جراء قصف استهدف منزلهم فى منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة.
الصحفية فاطمة حسونة
وقائع مرعبة لاستهداف الجماعة الصحفية
خلال اليوم العالمى لحرية الصحافة 3 مايو، أصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تقريبا موسعا يكشف وقائع مرعبة لاستهداف الجماعة الصحفية، مشيرة إلى استشهاد 210 شهيدا من الصحفيين فى ذلك التاريخ و664 من عائلاتهم، بجانب 178 إصابة دامية و226 نجوا من الرصاص الحي، مؤكدة أنه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى الواسع، تشهد الساحة الفلسطينية موجة غير مسبوقة من الجرائم والانتهاكات التى تستهدف الطواقم الإعلامية بشكل ممنهج.
استشهاد الصحفي تامر انصيو مقداد وابنته وعدد من أفراد عائلته

الاحتلال يقتل الحقيقة داخل غزة
90 صحفيا استشهدوا بقصف منازلهم
وذكر أنه فى حين كان الهجوم شرسا على مبانى ومقرات المؤسسات الإعلامية فى غزة من قبل صواريخ طائرات جيش الاحتلال مع اليوم الأول للعدوان، وتدمير غالبية مقرات ومكاتب الفضائيات ووكالات الأنباء، لم يجد الصحفى خيارا سوى إنجاز بقية العمل من البيت، حيث لاحقتهم الصواريخ إلى المنازل، التى ارتقى فيها نحو 90 زميلا وزميلة، لا يزال بعضهم تحت الأنقاض حتى اللحظة، مثال الزميلة الصحفية هبة العبادلة التى استشهدت مع طفلتها ووالدتها بتاريخ التاسع من ديسمبر 2023 ببلدة القرارة بالقرب من خان يونس.
29 صحفيا استشهدوا فى الخيام
وأشار التقرير إلى أنه بعد تدمير المكاتب والمؤسسات الإعلامية وملاحقة الصحفيين إلى غرف نومهم وقتلهم بالصواريخ، ذهبوا لنصب خيام جماعية يسترون أنفسهم من البرد والحر، اختاروا وضعها فى محيط المستشفيات، على اعتقاد أن المستشفيات وخيام النزوح خارج حسابات الحروب واستهداف البارود، إلا أن الاحتلال أبى إلا أن يسطر جرائمه بأبشع الطرق والوسائل، حين استهدف الصحفيين فى خيامهم الخاصة بمحيط المستشفيات، كما حدث بتاريخ السابع من أبريل الماضى باستشهاد المراسل الصحفى حلمى الفقعاوى نتيجة قصف صاروخى استهدف خيمة للصحفيين فى محيط مستشفى ناصر غرب مدينة خان يونس، أو بخيامهم بمراكز الإيواء داخل مدارس الأونروا، كما حدث بتاريخ السابع من نوفمبر الماضى باستشهاد الصحفيين الشقيقين الزهراء أبو سخيل، وأحمد أبو سخيل، باستهداف صاروخى لمدرسة تأوى نازحين بحى التفاح بمدينة غزة.
عائلات الصحفيين تدفع ثمنا باهظا
وقالت النقابة:"لم يكتفِ الاحتلال باستهداف الصحفيين بالقتل، بل طال عائلاتهم بشكل إجرامى ومرعب، دون استثناء الأطفال والنساء، لتكشف البيانات وتاوثائق عن تدمير 152 منزلًا تم قصفه، راح ضحيته 664 من عائلات وأقارب الصحفيين، لا لسبب سوى أن أبناءهم يعملون فى الصحافة والإعلام، كما حدث مع عائلة الصحفى معتز عزايزة، الذى فقد 26 من عائلته وأقربائه بقصف منزله.
الاحتلال يستبدل الغاز المسيل للدموع بالصواريخ والرصاص الحي
ولفت إلى أنه من الأدلة الدامغة على استهداف القتل، أن ترتفع إصابات الصحفيين بشظايا الصواريخ والرصاص الحى عن الإصابات بقنابل الغاز وقنابل الصوت، ليصل مجموع الإصابات الدامية إلى 178، بعضهم تم بتر أطرافه، كما حدث مع المصور الصحفى سامى شحادة حين تم بتر قدمه فى 12 أبريل 2024 بعد إصابته أثناء تغطيته الصحفية فى مخيم النصيرات، وكذلك إصابة المصور إيهاب الردينى بشظية وكسر فى الجمجمة والعين، ومراسل قناة BBC الصحفى أحمد الأغا، الذى أصيب بشظايا فى القدم اليسرى، وتعرض 226 من الصحفيين لإطلاق الرصاص المباشر فى محيطهم لمنعهم من التغطية الصحفية فى غزة.
اعتقالات وإخفاء قسري
وأكد التقرير، أن نحو 139 حالة اعتقال وتوقيف فى مراكز أمن جيش الاحتلال، حيث العشرات ممن اعتقلوا مع الأيام الأولى للعدوان لا زالوا فى الزنازين دون محاكم عادلة، ودون زيارة العائلة، ودون زيارة حتى الصليب الأحمر، فى ظروف غير إنسانية، يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدى والنفسى، وكذلك التجويع والحرمان من العلاج، فيما لا يزال بعض الزملاء فى حالة من الإخفاء القسرى، كما حال الصحفى نضال الوحيدى، والصحفى هيثم عبد الواحد، وطال الإخفاء العديد من الزملاء الذين كُشف عن مصيرهم بعد شهر، بينما لا يزال البعض حتى اللحظة مجهول المصير.
وطالبت النقابة خلال تقريرها، بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، والضغط للإفراج الفورى عن الصحفيين المعتقلين، وكذلك الضغط للسماح للجرحى الصحفيين بالسفر لتلقى العلاج، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه أمام المحاكم الدولية، وتوفير حماية دولية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، ودعم وتوثيق جميع الجهود لرصد هذه الانتهاكات فى الأوساط الدولية.
وفى هذا السياق يقول الصحفى الفلسطينى حمزة أبو سيف، أن قتل الصحفيين ليس بجديد لكنه البشع خلال تلك الحرب، لافتا إلى أن الاحتلال يعتقد واهما أنه بقتل الصحفيين قد يطمس الحقيقة ويحجبها وهو ما يؤكده ما يجرى من عمليات إبادة وتطهير عرقى بحق سكان غزة.
ويوضح " فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هناك صحفيين استشهدوا فى ميدان التغطية الإعلامية وهناك من استشهد وهو بداخل منزله، فى محاولة من إسرائيل لإخماد الصوت الحر الذى يعبر عن تطلعات وأمال الفلسطينيين فى الحرية وتقرير المصير.
الرسالة الأخيرة للصحفى حسام شبات قبل استشهاده
الصحفى الفلسطينى يوسف فارس، ينعى هو الأخر زميله حسام شبات، من شمال غزة، الذى استهدفه الاحتلال، حيث ينشر عبر صحفته الرسمية على "فيسبوك" رسالته الأخيرة قبل استشهاده والتى قال فيها "إذا كنتم تقرأون هذا، فهذا يعنى أننى قُتلت - على الأرجح مستهدفًا - على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.. عندما بدأ كل هذا، كنت فى الحادية والعشرين من عمرى فقط - طالبًا جامعيًا لديه أحلام كأى شخص آخر، على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، كرّست كل لحظة من حياتى لشعبي.. وثّقت الأهوال فى شمال غزة دقيقة بدقيقة، مصممًا على أن أُظهر للعالم الحقيقة التى حاولوا دفنها. نمت على الأرصفة، وفى المدارس، وفى الخيام - أينما استطعت. كان كل يوم معركة من أجل البقاء.. تحملت الجوع لشهور، ومع ذلك لم أفارق شعبى أبدًا".
وأضاف حسام فى رسالته الأخيرة :"والله، لقد أدّيت واجبى كصحفى.. خاطرت بكل شيء لأنقل الحقيقة، والآن، أخيرًا استرحت - وهو أمر لم أعرفه خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية.. فعلت كل هذا إيمانًا بالقضية الفلسطينية.. أؤمن أن هذه الأرض لنا، وكان أسمى شرف فى حياتى أن أموت دفاعًا عنها.. هى وخدمة أهلها، أسألكم الآن: لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة.. لا تدعوا العالم يُشيح بنظره عنها، استمروا في النضال، واستمروا فى رواية قصصنا - حتى تتحرر فلسطين".
لم يتهن بمولوده

الصحفى يحيى
فى واقعة أخرى أكثر قسوة، بتاريخ 7 مايو استشهد الصحفى يحيى صبيح فى قصف مطعم التايلندى بعد ساعات فقط من استقبال مولدته، حيث تحدث عن تلك الواقعة الصحفى الفلسيطينى يحيى يعقوبى الذى نعى زميله قائلا:"فى الصباح احتضن يحيى مولودته "سنا"، وضعها بين ذراعيها ومرر صوت بداخل أذنيها مؤذنًا، وشارك أصدقائه فرحة انتُزعت من أنياب الحرب والحزن، كأنّ لكلماته صوتٌ محمل بالفرح: "نورت دينتنا أميرة صغيرة. الحمدلله الذى أكرمنا بقدوم ابنتنا الغالية، وفى اليوم ذاته الذى استقبل فى مولودته، رحل شهيدا بمجزرة مطعم التايلندى، حيث رحل فى يوم ميلاد طفلته، لتجتمع ذكرى الميلاد والرحيل، وليترك ندوبا دائمة ستكبر عليها طفلته اليتيمة، فكل سابع من مايو فى كل عام، لن توقد شمعة ميلاد، بل ستضع وردة على قبر والدها، عندما تكبر على الفقد واليتم، كم هى قاسية الحرب".
صحفيون ذهبوا لتغطية الخبر فتحولوا لخبر
كما نعى يحيى يعقوبى، زميله الصحفى نور عبده الصحفي الوحيد الذي استطاع الوصول لمدرسة الكرامة شرق غزة نظرا لقربها من مناطق توغل وصعوبة الوصول إليها بعد استهدافها من جيش الاحتلال، لكنه لم يعد بالخبر، لأنه كان الحدث، بعد قصف ثانٍ للمدرسة أثناء وجوده، وكأن الاحتلال أراد طمس الجريمة وقتل الشهود.

نور الدين عبده
قبل استشهاد نور عبده بساعات قليلة، بعث برسالة صوتية لزملائه قال فيها: "أنا الآن في طريقي إليها"، امتدت تلك الرسالة لدقيقة ونصف تحدث على مجموعة صحفيين، بأن المدرسة التي سيذهب لتغطية القصف فيها يتواجد بها سبع عائلات، وأنها تعرضت للاستهداف سابقا، وأن الناس لم يجدوا مكانا للنزوح إليه، فعادوا إليها وللمنازل المحيطة، وأن الاحتلال قام بتسوية المدرسة بالأرض دون إنذار.

الصحفى ناجي عبده
نور عبده لم يستشهد بمفرده، بل كان برفقته ابن عمه ناجى عبده، وهو ما يكشفه الصحفى الفلسطينى إسلام عبده فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، ارتقاء اثنين من عائلته يعملان صحفيان داخل القطاع، موضحا أن الصحفى نورالدين واصل عمله الصحفى الميدانى فى تغطية حرب الإبادة المستمرة منذ بداية الحرب وكان من القلة القليلة التى استمرّت فى تغطية الأحداث شرق غزة وخاصة حى التفاح والدرج وكان شعلة نشاط وعدسته كانت شاهد على معاناة الناس ولقب فى العائلة بـ"دينمو".
ويضيف إسلام عبده، أن الصحفى نور الدين مطر عبده كان من الصحفيين القلائل إلى واصلوا عملهم فى منطقة شرق غزة وتحديدا حى التفاح والشعف شرق غزة الذى يتعرض منذ أكثر إلى اجتياح وعبر منطقة خطيرة، وكان يحاول بعدسته وتقاريره أن يوصل رسالة إلى العالم وينقل صورة ومستجدات الأوضاع فى تلك المنطقة سواء الوضع الميدانى من اعتداءات إسرائيليين على منازل المواطنين أو مراكز النزوح أو الوضع الإنسانى الصعب من حالة الجوع.
ويوضح أن يوم الاستشهاد كان الاحتلال قبل استهدف مدرسة الكرامة شرق غزة أدت الغارة الأولى إلى ارتقاء عشراء بينهم عائلات كانت نازحة إلى المدرسة ظنا منها أنها مكان آمن، وذهب نور الدين الساعة العاشرة صباحا ومعه مساعده ناجى إلى المدرسة لنقل صورة حية عن الجريمة التى حدثت فجرا والتى لم تحظ بتغطية إعلامية كافية وأعد تقرير أولى من ساحة المدرسة وأثناء عمله فى تصوير المشاهد وأعمال البحث عن الناجين من تحت الأنقاض تعرض إلى استهداف بصارخ مباشر من طائرات المسيرة أدت على الفور إلى استشهاده مع مساعده.
يكتبون بدمائهم الحقيقة
وفى بيانه الصادر فى مايو الماضى، أكد المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة، أن صحفيى القطاع يُذبحون على الهواء مباشرة بأسلحة الاحتلال، وبدماؤهم تكتب الحقيقة والعالم حيث تسيل دماء الإعلاميين الفلسطينيين فى الشوارع، وتُقصف مقراتهم وسياراتهم، وتكسر أقلامهم وكاميراتهم، وتُستهدف بيوتهم وممتلكاتهم، ويُدفنون أحيانًا مع أسرهم تحت الأنقاض، لأنهم فقط قرروا أن ينقلوا الحقيقة.
وأضاف أن استهداف الصحفيين والإعلاميين ليس مجرد استهداف، بل حرب إبادة إعلامية ممنهجة، ارتكبت خلالها سلطات الاحتلال جرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بعدما تعرضت 143 مؤسسة إعلامية للتدمير، بينها 12 صحيفة ورقية و23 صحيفة إلكترونية و11 إذاعة و4 قنوات فضائية فى غزة، بالإضافة إلى تدمير مقرات 12 فضائية عربية ودولية، وكذلك تدمير 44 منزلًا لصحفيين من القصف، واستشهد 21 ناشطًا إعلاميًا مؤثرًا على منصات التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى تفجير المطابع بسبب القصف الإسرائيلى الذى لم يتوقف، وأُتلفت معدات البث والكاميرات وسيارات النقل المباشر، وعُلّقت وحُجبت حسابات ومنصات رقمية عديدة بدعوى مخالفة المعايير، كما بلغت خسائر القطاع الإعلامى إلى ما يقرب من 400 مليون دولار، ضمن حرب شاملة ينفذها الاحتلال طالت البشر والحجر، واستهدفت الصورة والصوت والكلمة، مطالبا الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وكل الهيئات الأممية المعنية بحرية الصحافة، بالتحقيق الفورى والمستقل فى الجرائم ضد الصحفيين والإعلاميين، وتوفير بالحماية الدولية العاجلة للصحفيين.
كما طالب بإحالة هذه الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة قتلة الصحفيين وكل من تورّط فى سفك دمائهم، لافتا إلى أن الصحفى الفلسطينى لا يحمل الكاميرا فقط، بل يحمل الحقيقة، ولا يحمل الميكروفون فقط، بل يحمل صوت المقهورين، ولا يسكن فى المكاتب، بل فى الميدان، حيث القصف والمجازر والموت، ومع ذلك، لا يتراجع، ولا يصمت، ولا ينسحب.
استخراج جثمان صحفية واثنين من أشقائها بعد 44 يوما من استشهادها
مأساة أخرى عاشتها عائلة الصحفية مروة مسلم، بعدما تم انتشال جثمانها مع اثنين من أشقائها بعد 44 يوما من استشهادهم وفقدانهم تحت الأنقاض عقب قصف منزلهم فى حى التفاح بمدينة غزة، حيث حالت الظروف دون وصول الطواقم الطبية إليهم فى وقت سابق، ليتحول الجسد إلى هياكل عظمية.
استهدافات لا تتوقف
ويشير الدكتور تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، إلى أن استهداف الاحتلال للصحفيين فى غزة لا يتوقف بل يتصاعد بشكل خطير، خاصة أن عمليات التحريض الإسرائيلية على الصحفيين تتزامن مع الجرائم التى يرتكبها الاحتلال فى غزة من أجل تبرير ما يرتكبه الاحتلال من جرائم بحق الصحفيين.
ويوضح نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الصحفيين الفلسطينيين يتعرضون لتهديد مباشر بالقتل واستهداف من يعملون بمؤسسات صحفية معروفة الذين أصبحوا مهددين مع عائلاتهم وزملائه وحتى مصادرهم ومن يتعاملون معهم وبالتالى هذا يشكل خطورة إضافية على العمل الصحفي".
البردويل يختنق بسبب حرق الخيام والبردينى فى غيبوبة
يتحدث الصحفى الفلسطينى، أنس النجار عن زميله إيهاب البردينى، الذى أُصيب بعد أن استهداف الجيش الإسرائيلى لخيمة صحفية مما أسفر عن استشهاد اثنين وإصابة تسعة، فاق "البرديني" من غيبوبته، لكنه لا يزال بحاجة ماسة للعلاج بعد أن فقد إحدى عينيه، مما يتطلب مغادرته للقطاع من أجل تلقى العلاج.
مصير "البرديني"، كان أفضل قليلا من زميله محمد البردويل، الذى استشهد مع عائلته بعد اختناقهم نتيجة حرق خيام النازحين، قسة استشهاد "البردويل" أثارت حالة تعاطف كبيرة ونعى جماعى من زملائه خاصة أنه كان معروفا بأعماله الخيرية، وهو ما يكشفه الصحفى أحمد أبو أرتيمه، الذى قال عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"،:"فى بداية الحرب نقلت مع عائلتى إلى مستشفى ناصر فى خانيونس بعد إصابتنا فى القصف.، بعد أيام بدأت ألاحظ أن وجبتى غداء تصل كل يوم فى نفس الموعد إلى سريرى وسرير أطفالى فسألت عن أمرها، فقيل لي: هذه يرسلها محمد صالح البردويل كل يوم لك ولأطفالك.. وظل على هذه الحال شهرًا كاملًا حتى خرجنا من المستشفى ".
ويضيف:" لقد فجعنا كثيرًا فى هذه الحرب حتى صار الفقد خبرا يوميًا معتادًا لكنى شعرت حين سمعت خبر اغتيال محمد البردويل وعائلته باختناق لم أشعر به فى أخبار فقد سابقة، فقد رأيت منه عونا ومؤازرة فى أشد أيامى عسرة وكربة، أشعر أن له دينا فى عنقى لم أوفه إياه، ولست وحدى فى هذا فقد كان يكفل مئات العائلات فى الحرب ويقيم لهم مراكز إيواء، لقد كان سباقا فى الخير سمح النفس متفانيا فى العطاء ".
كما نعى يحيى يعقوبى، زميله محمد البردويل قائلا:"ثمن كبير يدفعه الصحفى الفلسطينى لأجل نقل الصورة أو الصوت أو الكلمة عما يجرى من جرائم، وبات الصحفى فى مقدمة أهداف الاحتلال، بعدما أصبحت طريق الجرائم خالية أمامه دون حسيب أو رقيب أو مساءلة، وفى إجرام لا يتصوره العقل البشرى ولا يتحمل قسوته قلب أى إنسان لديه ذرة من إنسانية يقتل الفلسطينى مع زوجته وأطفاله، وتمسح العائلات من السجل المدنى، ويتوقف امتداد سلالة عائلة عبر سنوات وعقود طويلة يحمل فيها الأبناء أسماء الآباء والأجداد، هذه الحرب جاءت لتبيد كل شيء".
بيع دراجة البخارية وأدوات الصحافة للبحث عن طعام
بينما يقف على الجانب الأخر الصحفى يحيى العوضية يبحث عن طعام لأسرته، اضطره إلى بيع أدواته الصحفية من أجل شراء كيس طحين، لكن نفذ الكيس وأصبح مضطرا للبحث عن شيئا أخر لبيعه، ليعرض دراجته البخارية للبيع، حيث يقول عبر حسابه الشخصى على "فيسبوك ":"كنت أكتب عن الناس الجوعى، واليوم أصبحتُ واحدًا منهم، حيث أعود إلى البيت خالى اليدين، وأتحاشى نظرات عائلتى التى تسألنى دون كلام:، قمت ببيع الهاتف الذى كنت انقل به الحقيقة والأن أقوم ببيع دراجتى الذى أتنقل بها للوصل إلى الخبر، بعت كل شى جمعته فى سنين التعب، عشان أقدر أشترى خبز، ولم أعد أملك شيئًا إلا هذا الجسد المتعب، وهذا القلب المكسور، أنا صحفى لكن الجوع علّمنى أن الكلمة لا تؤكل، وأن الحقيقة، أحيانًا، تُباع لتشترى بها كيس طحين، وها أنا هنا اعرض دراجتى بعد بيع هاتفى واقول لكم من يريد أن يستبدلها على الطحين".
تواصلنا مع الصحفى يحيى العوضية، الذى يؤكد أن الوضع اليوم ليس كما كان فى السابق خلال الأيام الأولى للحرب التى بدأت منذ ما يقرب من عامين، قائلا:"هذه أصعب مرحلة تمر علينا رغم أننا كنا فى الشمال ولم نخرج منها منذ بداية العدوان وكانت الحرب صعبة والتجويع كان منتشر ولكن لم تصل المجاعة لما وصلنا إليه الآن صحيح القصف مستمر والمجازر التى يرتكبها الاحتلال ضد المواطنين تتواصل من قتل وإبادة وتدمير وتوغلات فى جميع المناطق الشمالية بالقطاع فى بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا ومعسكر جباليا وأغلب المناطق الشرقية والجنوبية".
ويكشف يحيى العوضية سوء الوضع الذى وصل له القطاع، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" قائلا:"المرحلة الحالية هى أسوأ مرحلة، الاحتلال منذ 7 شهور منع دخول أى مساعدات لقطاع غزة بشكل كامل الاحتلال، وهناك تجار يرفعون أسعار السلع بشكل كبير حتى أصبحت خيالية لم تحدث فى كل دول العالم، فسعر كيلو الطحين الذى كان سعره قبل العدوان بشيكل أو شيكل ونصف أصبح الآن سعره 80 شيكل و100 شيكل وكيلو العدس كان قبل العدوان بـ2 شيكل أصبح الآن بـ80 شيكل وهذا فى كل السلع والخضراوات أن توافرت ".
افتتاح مركز التضامن الإعلامى لدعم الصحفيين بغزة
وفى 5 أغسطس، أعلنت نقابة الصحفيين الفلسطينيين افتتاح مركز التضامن الإعلامى فى مدينة غزة، والذى أقيم بإشراف ورعاية الاتحاد الدولى للصحفيين وشراكة مع عدد كبير من المؤسسات المحلية والدولية، وذلك فى ساحة مركز رشاد الشوا الثقافى وسط مدينة غزة، حيث توجه عاهد فروانة أمين سر نقابة الصحفيين والمشرف على المركز بالشكر والتقدير إلى جميع الجهات التى دعمت إنشاء المركز فى مدينة غزة والذى يأتى تتويجا لجهود النقابة فى إنشاء مراكز التضامن الإعلامى فى خان يونس ودير البلح والآن فى غزة لخدمة الزملاء والزميلات الصحفيين الذين تدمرت مؤسساتهم من خلال توفير المكان المناسب والانترنت عالى الجودة والطاقة وكافة المستلزمات للقيام بعملهم الصحفى وفضح جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.
وفى 20 أبريل، وصف المجلس الوطنى الفلسطينى، أن ما يواجهه الصحفى الفلسطينى ليس فقط اعتداء على الأفراد، بل هو محاولة متعمدة لإسكات صوت فلسطين وإبادة روايتها، حيث طالب المجتمع الدولى، ومؤسسات حماية الصحفيين، بالتحرك الفورى لمحاسبة مرتكبيها، وتوفير الحماية العاجلة للعاملين فى الحقل الإعلامي.
أصوات الحقيقة قابعة فى سجون الاحتلال
على الجانب الأخر يقبع عشرات الصحفيين فى المعتقلات الإسرائيلية، فى محاولة لعرقلتهم عن نقل الحقيقة، فوفقا لبيان نقابة الصحفيين الذى سردناه فى السطور السابقة فإن نحو 139 حالة اعتقال وتوقيف فى مراكز أمن جيش الاحتلال، فيما أعلن نادى الأسير الفلسطينى فى 6 أغسطس، أن الاحتلال يواصل اعتقال 55 صحفيا فلسطينيا بينهم 50 صحفيا منذ بدء حرب الإبادة، وهناك 195 صحفيا تعرضوا للاعتقال أو الاحتجاز منذ أكتوبر 2023.
قبلها بشهر وبالتحديد فى 2 يوليو أعلن نادى الأسير أيضا أن سلطات تل أبيب تواصل تصعيد استهدافها للصحفيين عبر سياسة الاعتقال الإدارى، حيث ارتفع عدد الصحفيين المعتقلين إداريًا فى سجون إسرائيل، تحت ذريعة وجود "ملف سري"، إلى (22) صحفيًا، آخرهم الصحفى أحمد الخطيب، الذى صدر بحقه أمر اعتقال إدارى لمدة ستة شهور.
وأوضح أن ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إداريًا يأتى فى ظل التصعيد غير المسبوق تاريخيًا فى أعداد المعتقلين الإداريين فى سجون الاحتلال، والذى بلغ حتى بداية يونيو الماضى 3562 معتقلًا، حيث تهدف السلطات الإسرائيلية، من خلال تلك الاعتقالات إلى إسكات الأصوات أمام الجرائم المهولة التى ترتكبها تل أبيب، واستهداف الرواية الفلسطينية، وفرض المزيد من الرقابة والسيطرة على عملهم.
وأشار إلى أن الاحتلال يواصل استهداف الصحفيين عبر ما يسميه بالاعتقال على خلفية "التحريض" على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث تحوّل هذا الشكل من الاعتقال إلى أداة لقمع حرية الرأى والتعبير، وأصبح يشكل وجها آخر لجريمة الاعتقال الإدارى، خاصة أن الغالبية ممن اعتُقلوا على خلفية "التحريض"، ولم تتمكن إسرائيل من تقديم لائحة اتهام بحقهم، جرى تحويلهم لاحقًا إلى الاعتقال الإدارى، فيما واجه الصحفيون المعتقلون فى سجون تل أبيب ومعسكراتها كافة الجرائم التى يواجهها الأسرى، بما فيها جرائم التعذيب الممنهَج، والضرب المبرح، والتجويع، والإهمال الطبى، إلى جانب عمليات الإذلال والتنكيل التى يتعرضون لها بشكل مستمر، عدا عن سياسات السلب والحرمان المتواصلة بحقهم، واحتجازهم فى ظروف اعتقالية قاسية ومهينة.
أخر عمليات الاعتقال التى سلطت هيئة شئون الأسرى الضوء عليها كانت للصحفى على السمودى الذى تعرض على مدار (72) ساعة لعمليات تنكيل متواصلة، احتجز فى بداية اعتقاله، ثم نقل إلى مركز تحقيق الجلمة ليعيده الاحتلال إلى الثكنة العسكرية، وينقل مجددا إلى الجلمة، وأخيرا إلى سجن مجدو، ولم تقدم إسرائيل أى ادعاءات واضحة بشأن عملية اعتقاله، كما لم يتم منحه أى نوع من الأدوية الخاصة به، خاصة أن السمودى يعانى من عدة مشكلات صحية، وهو بحاجة إلى أخذ أدويته بشكل منتظم، وإلى متابعة صحية.
دلالات ارتفاع استهداف الصحفيين بالقتل
ومع ارتفاع عمليات قتل الصحفيين داخل غزة، أصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين فى 14 أغسطس بيانا حذرت فيه من تصاعد جرائم حكومة مجرم الحرب نتنياهو، وكان آخرها استهداف الطواقم العاملة فى القطاع واستشهاد 6 منهم فى 11 أغسطس.
وأشارت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين الفلسطينيين، إلى أن تزايد الجرائم لها دلالات سياسية واستراتيجية أولها محاولة التحكم فى السرد الإعلامى، وعندما تمنع أو تستهدف سلطات الاحتلال الصحفيين المحليين وتعرقل تواجد الصحافة الدولية، يقلّ الوصول إلى صور وآراء مستقلة عن ميدان المعركة، ما يساعد على بسط السرد الرسمى لقوة الاحتلال وتقليل أثر التقارير المناقضة.
وأوضحت أن الاحتلال يحاول توجيه رسالة ردع وسياسية داخلية، خاصة أن حكومة مجرم الحرب نتنياهو تواجه ضغوطًا أمنية وسياسية وتوسعا عسكريا محتملا كما أُشير إلى الخطط العسكرية فى الأيام الأخيرة، وقد تُستخدم سياسات الأمن الصارمة واللغة المتصلّبة تجاه أى حالة فلسطينية، بما فيها الصحفيين، لكسب قاعدة داخلية أو لإحداث ردع.
ولفتت إلى أن استهداف الصحفيين كتهديد أمنى، حيث تبرر سلطات الاحتلال جرائمها بحق الصحفيين بـ«روابط مزعومة» بين أفراد الإعلام ومجموعات مسلحة، بهدف إعطاء الشرعية العملية فى سياق الحرب، لكن حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تشترى رواية حكومتهم، مشيرة إلى أن استهداف المدنيين، بمن فيهم الصحفيون، يندرج تحت جرائم حرب، وهذا ثابت بسبب التعمد وعدم التمييز وعدم اتخاذ الاحتياطات، ومعظم حوادث قتل الصحفيين فى غزة ترقى إلى مستوى الانتهاك الخطير لحقوق الصحافة والقانون الدولي.
وأكدت أن الاحتلال يعمل على إثبات التبعات القضائية والسياسية، فالارتفاع فى عدد الضحايا سيزيد من المطالب النقابة لضرورة فتح تحقيقات دولية، ودعاوى حقوقية، وحملات ضغط دبلوماسى، مع تأثير واضح على صورة ومكانة الاحتلال الإسرائيلى فى المحافل الدولية، لافتة إلى أن إسرائيل تعمل على تغيير قواعد الاشتباك، فاستهداف الصحفيين ومنازلهم والطواقم العاملة يشير إلى تغير فى قواعد الاشتباك، وأن هناك عدوانًا أوسع دون توثيق وشواهد وصور وتقارير تخرج للعالم.
وأشارت النقابة إلى أن هذه المرحلة بالتحديد قد تشهد تصعيدا خاصة أن هناك سياق عسكرى جديد وتوسُّع عملياتى يدفع قوات الاحتلال إلى عمليات أكثر كثافة مكشوفة، ما يرفع احتمال إصابة أو استهداف الصحفيين العاملين فى مناطق العمليات، وهذا قد يؤدى لتفاقم عزوف الصحفيين المحليين عن التغطية الميدانية، أو فرض رقابة ذاتية، وفقدان مصادر مستقلة للمعلومات داخل غزة، وبالتالى اتساع المساحة للدعاية والادعاءات الإسرائيلية الكاذبة وغير الموثقة، مما يتطلب وجوب زيادة الضغوط الدولية والدعوات لفتح تحقيقات مستقلة.

Trending Plus