نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الثانى

عيون مغلقة على جحيم 2.. نادر بشير ولد كفيفا ويناضل دفاعا عن حقوق ذوى الإعاقة البصرية.. ويوسف أبو العبد نزح 20 مرة قبل استشهاده.. وميسة الغندور بعد أن فقدت بصرها بشظايا الاحتلال: صرنا لا نعيش حياة بل نتمنى الموت

ذوو الإعاقات البصرية فى غزة
ذوو الإعاقات البصرية فى غزة
كتب رامى محيى الدين – أحمد عرفة

 

• أكثر من 30 فلسطينيًّا يصابون بإعاقات دائمة أو مؤقتة يوميًا في القطاع
• يوسف أبو العبد تعرض للنزوح 20 مرة قبل استشهاده
• شهادات دولية عن الوضع المزري للمكفوفين خلال الحروب
• الصحة العالمية: ربع الجرحى أصيبوا بإصابات مغيرة للحياة
• توصيات عملية وسياسات مقترحة يمكن أن تسهم في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في القطاع
• ميسة الغندور بعد أن فقدت بصرها بشظايا الاحتلال: صرنا لا نعيش حياة بل صرنا نتمنى الموت
• فتاة تفقد بصرها بعد استهداف الاحتلال منزل عائلتها: لم أخسر فقط عيني بل خسرت رؤية أمي وأشقائي
• نادر بشير ولد كفيفا ويناضل دفاعا عن حقوق ذوى الإعاقة البصرية

في الجزء الأول لمسنا كيف يواجه المكفوفون في غزة ظلام الحرب وظلام الإعاقة معًا، وكيف تحولت حياتهم إلى رحلة صراع يومي من أجل البقاء، لكن الصورة لم تكتمل بعد؛ فالمعاناة هنا لا تتوقف عند حدود فقدان البصر أو قسوة القصف، بل تمتد لتشمل تفاصيل دقيقة تمسّ حياتهم اليومية، من صعوبة الحصول على الدواء والغذاء، إلى العزلة التي يفرضها الحصار، مرورًا بالحرمان من التعليم والعمل والدعم النفسي، في الجزء الثاني، نغوص أعمق في هذه الحكايات التي تكشف وجوهًا أخرى للألم، لكنها تحمل في الوقت ذاته قوة مدهشة على الصمود.

يوسف أبو العبد تعرض للنزوح 20 مرة قبل استشهاده

يوسف أبو العبد، أحد المكفوفين الذى لم يرحم الاحتلال إعاقته البصرية، ليقصف منزل عائلته ويستشهد هو وشقيقه وأسرة شقيقه الثالث الذي كان الناجي الوحيد فيهم وخرج مصابا ويعيش على "عكاكيز".

تكشف ريم خميس، شقيقة يوسف أبو العبد تفاصيل حياته واستشهاده، مشيرة إلى أن شقيقها ولد طفل طبيعي مبصر بعيون زرقاء كزرقة موج البحر، وكان يتميز بجمال كبير وانتباه عالى وذكاء وهدوء، وكذلك كان متفوقا للغاية في الدارسة، إلا أنه فقد بصره بشكل تدريجي حتى فقد بصره بالكامل وأصبح كفيف بحسب القانون، حيث حدة البصر أصبحت 4/60.

وتتحدث في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، عن حياة "يوسف" قبل الحرب، حيث تصفه بأنه كان أكثر إنسان على وجه الأرض يتميز ببره لوالده ووالدته، وهو متزوج ولديه عبد الكريم خمسة أعوام وغزل، الطفلة ثلاثة أعوام، متابعة :" كان أخي موسوعة علمية إذا سمع معلومة يحفظها ويستخدمها ومن أبرز صفاته الاعتماد على نفسه، ولديه محل تصليح أجهزة كهربائية صيانة وبيع، فكان يذهب للمحل بمفرده رغم أنه كان هناك خط سير مواصلات بين البيت والسوق، ولم يكن يوسف إنسانا اتكاليا، وأخلاقه كانت راقي".

الشهيد يوسف أبو العبد
الشهيد يوسف أبو العبد

 

وتتطرق إلى وقع شقيقها الكفيف خلال الحرب، قائلة:" افترقنا عن يوسف لأن النزوح به هلع وكنا نسير تحت القصف والنيران وافترقنا كعائلة لنصفين، بينما شقيقي لم يستطع النزوح للجنوب وظل في شمال غزة والأمور تفاقمت ولم يستطع التحرك وظل متواجد في بيت العائلة مع اثنين من أشقائي وزوجة أحد أشقائي وأبنائه وعندما تم قصف منزلنا، استشهد يوسف وشيقي وعائلة شقيقي الثالث وأخي الوحيد الذي خرج حيا مصابا جسده به بلاتين وشظايا ويسير على عكاكيز، ولديه علاج بالخارج ولكن لا يستطيع السفر للخارج، وأفراد كثيرة من عائلتى استشهدوا خلال هذا القصف".

"الوضع صعب للغاية داخل القطاع، فيوسف قبل استشهاده تعرض للنزوح لـ20 مرة مع أشقائي، ومروا بمجاعة لمدة شهرين"، هنا تشرح ريم خميس الأوضاع الصعبة التي عاشها شقيقها مع عائلته قبل الاستشهاد، مستطردة :"أكلوا ورق الشجر وطعام الدواب وانخفضت أوزانهم بشكل كبير، ولكن يوسف صبر وكان يحمد الله عز وجل، رغم الظروف القاهرة وإعاقته البصرية".

يوسف أبو العبد
يوسف أبو العبد

 

وتتابع :"في إحدى المرات نزوح يوسف مع أشقائه إلى مدرسة صلاح الدين بشمال القطاع، وحاصرها الاحتلال لعدة أيام ثم اقتحمها وأخرج كل السيدات والأطفال ثم الرجال وقام بفصلهم، وأجبرهم على الجلوس عرايا، وأهانوا المواطنين وضغطوا عليهم للخروج من المستشفى بهذا الشكل خلال فصل الشتاء وتجملوا برودة الجو القارس وساروا بجانب الدبابات الإسرائيلية".

وتشير إلى معاناة شقيقها خلال نزوحه في شمال القطاع وابتعاده عن زوجته وأبنائه قبل الاستشهاد، مضيفة :"عانى من البعد عن زوجته وأبنائه الذين استطاعوا النزوح من غزة، ومعاناته كانت صعبة للغاية أن يبتعد عن أسرته، كانت ابنته تبكى وتريد والدها وكذلك كانت تبكى من أجل الحليب، بينما أبيها كان يتواصل بشكل مستمر عندما يكون هناك مجال للاتصالات، خاصة أن الإنترنت مقطوع أغلب الوقت قد تصل لمدة شهر كامل وعندما يتواصل معنا أخي كان يطالبنا بأن نهتم بأبنائه ".

فتاة تفقد بصرها بعد استهداف الاحتلال منزل عائلتها: لم أخسر فقط عيني بل خسرت رؤية أمي وأشقائي

"آمنة ح"، فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 19 عامًا، نزحت إلى مدينة خان يونس في ظل استمرار الحرب، كانت قبل العدوان ترى كل شيء وتخرج مع صديقاتها، وتتلقى تعليمها في الجامعة، إلا أن جاءت الحرب وأفقدتها نعمة البصر.

تقول "آمنة ح، إنها فقدت بصرها نتيجة القصف الإسرائيلي لمنزل عائلتها، متابعة: "أستيقظ كل يوم على ظلام لا ينتهي، لم أخسر فقط عيني، بل خسرت قدرتي على أن أرى أمي وأشقائي".

ميسة الغندور بعد أن فقدت بصرها بشظايا الاحتلال: صرنا لا نعيش حياة بل صرنا نتمنى الموت

"ميسة الغندور"، كانت مبصرة قبل الحرب، إلا أن العدوان جاء ليحولها إلى كفيفة بعدما أصيبت بشظايا صواريخ الاحتلال خلال محاولة عائلتها النزوح إلى إحدى المدارس بالقطاع، حيث تقول: "صرنا لا نعيش حياة، بل صرنا نتمنى الموت".

من جانبه أرسل الدكتور باسل عابد، لنا جانب من دراسة الحكومة الفلسطينية عن واقع ذوي الإعاقة داخل غزة، وتضمنت  عدم القدرة على الإخلاء أو حماية النفس  في ظل غياب الإشارات الصوتية أو من يرافقهم، يواجه الكفيف خطرًا مضاعفًا عند القصف، فلا يستطيع الفرار بمفرده أو الاستجابة للنداءات الطارئة.

وتضمنت الدراسة الحديث عن المعاناة في المخيمات والخيام، فالبيئة غير المؤهلة، لأن الخيام ومراكز الإيواء تفتقر إلى الترتيبات التيسيرية الخاصة بالمكفوفين، مثل الأرضيات الآمنة، الإشارات الصوتية، أو أدلة ملموسة للتنقل.

دراسة للحكومة الفلسطينية عن واقع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في غزة خلال الحرب
دراسة للحكومة الفلسطينية عن واقع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في غزة خلال الحرب

وأشارت الدراسة إلى أحد أبرز الصعوبات التي يواجهها المكفوفين خلال الحرب وهي الاعتماد الكامل على الغير، فبسبب الفوضى، يعيش الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية في عزلة شبه كاملة، يعتمدون على الآخرين في معرفة أماكن الطعام، دورات المياه، أو حتى في تجنّب المخاطر، بجانب الحرمان من المساعدات، لأنه  في كثير من الحالات، لا يتمكن المكفوفون من الوصول إلى طوابير توزيع المساعدات، أو لا يتم التعرف على حاجتهم المميزة، ما يجعلهم عرضة للجوع وسوء التغذية.

دراسة الحكومة الفلسطينية عن المكفوفين داخل غزة خلال الحرب
دراسة الحكومة الفلسطينية عن المكفوفين داخل غزة خلال الحرب

 

وأشارت الدراسة إلى انعدام الإمكانيات الأساسية مثل انعدام الغذاء والماء النظيف، فع انقطاع سلاسل الإمداد، أصبح الحصول على الطعام تحديًا كبيرًا، لا سيما لمن لا يستطيعون الرؤية أو التنقل بمفردهم، ويتعرض المكفوفون لسوء تغذية حاد، خصوصًا ممن يعيشون بمفردهم أو فقدوا أسرهم.

ولفتت الدراسة أيضا إلى غياب الدعم النفسي، لأن الكفيف في ظروف النزوح يعاني من عزلة نفسية شديدة، خصوصًا مع فقدان الروتين اليومي، وموت أو اختفاء من يعيلهم أو يساعدهم. حالات الاكتئاب والانهيار النفسي في ازدياد، موضحة أن الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية في قطاع غزة يشهدون أوضاعًا إنسانية مأساوية نتيجة الحرب والنزوح المتواصلين.

جانب من دراسة الحكومة الفلسطينية عن واقع المكفوفين داخل غزة
جانب من دراسة الحكومة الفلسطينية عن واقع المكفوفين داخل غزة

 

ويوضح باسل عابد أن أوضاع هذه الفئة بـ"الكارثية"، إذ يفتقدون لمصادر الدخل ويعجزون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية بسبب غلاء الأسعار، كما يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المساعدات الإنسانية بسبب الاكتظاظ داخل مراكز الإيواء وغياب مرافق التنقل الملائمة.

وبشأن الوضع الصحي والبيئي، يؤكد ازداد هشاشة هذه الفئة مع تردي البنية التحتية، ونقص المياه الصالحة للشرب، وتفشي الأمراض، إضافة إلى مخاطر السقوط والإصابات الناجمة عن تجمع مياه الصرف الصحي في مناطق النزوح، بجانب نقص أدوات العناية الشخصية وصعوبة استخدام المرافق العامة.

نادر بشير ولد كفيفا ويناضل دفاعا عن حقوق ذوى الإعاقة البصرية

نادر بشير، حاصل على دكتور في إدارة الأعمال ورئيس رابطة الخريجين المعاقين بصريًا في غزة، ولد كفيفًا ومنذ عام 2006 وهو يناضل دفاعًا عن حقوق ذوي الإعاقة البصرية، حيث يؤكد أن هذه الفئة من بين الأكثر تهميشًا في المجتمع، وأن حرب الإبادة الأخيرة زادت من معاناتهم بشكل لم يسبق له مثيل.

الدكتور نادر بشير
الدكتور نادر بشير

 

ويقول نادر بشير: "لا توجد حقوق دولية أو إنسانية تحمي ذوي الإعاقة البصرية خلال الحروب، ولا توجد ممرات آمنة أو مخيمات ملائمة، ولا أدوية ولا أدوات مساعدة يتم إدخالها إلى غزة منذ ستة أشهر، مما يجعل حياتنا أكثر صعوبة ويزيد من فقداننا للبصر والقدرة على الاعتماد على النفس."

ويؤكد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن كثيرٌ من المكفوفين فقدوا أدواتِهم المُساعدة؛ تلك التي كانت تُعينُهم على التوازنِ في عالمٍ لا يرَونَه، وتَمنَحُهم بعضَ القدرةِ على الاستقلالِ والحركةِ، حيث فَقَدوا عصيَّهم البيضاءَ، وآلاتِ "برايله"، وساعاتِهم الناطقةَ، وهواتفَهم الذكيّةَ، ونظّاراتِهم المُكبّرةَ، وتطبيقاتِهم الصوتية، حيث فقدوها تحتَ الرّكامِ، أو في البيوتِ المُهدَّمةِ، أو مع النّزوحِ القسريِّ، أو بسببِ عدمِ توفّرِها من الأساس.

ويضيف أن الخسارةُ  لم تَقتصرِ على الأدوات بل حُرِمَ كثيرٌ من المكفوفين أدويةً كانوا بحاجةٍ ماسّةٍ إليها؛ سواء أدويةً لعلاجِ أمراضِ العيونِ، أو الأمراضِ المُزمِنةِ المُصاحِبةِ للإعاقةِ البصريّةِ، أو قَطَراتٍ ضروريّةٍ تُبقي على ما تبقّى من نورٍ في أعيُنِهم، ومِنهم من فَقَدَ بصرَه بالفعل، لأنّ علاجَه لم يَعُد يَصل، أو لم يستطِع شراءَه بسببِ الواقعِ الاقتصاديِّ المُتدهور.

ويشير إلى أن القصف المتكرر دمر المنازل التي تضم ذوي الإعاقة، ولم تستجب أي جهة لتوفير الحماية أو الخطط اللازمة لمواجهة الكوارث، مما جعل وضعهم أكثر هشاشة.
ويوضح أن الكفيفُ في غزّة لا يعيشُ بل يَصمُد في وجهِ الحصارِ، في وجهِ التجاهلِ، في وجهِ العزلةِ والحرمانِ والخِذلان لكنّه في هذه الحربِ، لم يَعُد قادرًا على الصُّمودِ وَحدَه، متابعا :" في ظلِّ الحرب وإغلاقِ المعابرِ، لا يُسمَحُ بدخولِ الأدواتِ المُساعدةِ التي يحتاجُها الكفيفُ، ولا الأدويةِ المتخصّصةِ لعلاجِه، وحتى إن وُجِدَ بعضُها في السوقِ المحليِّ فإنّ ثمنَه باهِظٌ، يفوقُ قدرتَه على الشّراءِ في ظلِّ الفقرِ، والبطالةِ، وانعدامِ مصادرِ الدّخل".

" الكفيفُ لا يرى الطريقَ، لكنّه يسمعُ كلَّ صوتٍ من حولِه، ويسمعُ تنهيدةَ أمّه المكظومةِ، وصوتَ القذيفةِ وهي تقتربُ، وهَمَساتِ الناسِ الهاربين، وصرخاتِ مَن فُجِعوا بأحبّتهم، ويشمُّ رائحةَ الدّخانِ والغبارِ والدّمار، رائحةَ مدينةٍ تَحتَرِقُ ولا تجدُ مَن يُطفئُ نارَها"، هكذا يصف نادر بشير يوميات الكفيف في غزة، مضيفا أنه من حقِّ الكفيفِ أن يعيشَ بأمانٍ، ومن حقِّه أن يعيشَ بكرامةٍ، كغيرِه من أبناءِ هذا العالمِ، ومن حقِّه أن يُعامَل بعدالةٍ، لا بشفقةٍ بإنصافٍ، لا بإهمال.

توصيات عملية وسياسات مقترحة يمكن أن تسهم في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في القطاع

وكشفت جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية بغزة، في تقرير لها في شهر أغسطس، عن توصيات عملية وسياسات مقترحة يمكن أن تسهم في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في القطاع ، في ظل الحرب والنزوح أولها الاستجابة الإنسانية الشاملة والمتخصصة من خلال توفير أدوات مساعدة فورية مثل العصي البيضاء، وأجهزة قراءة برايل المحمولة، والساعات الناطقة، كجزء من سلال الطوارئ، وتضمين احتياجات الإعاقة البصرية ضمن خطط الاستجابة الإغاثية لجميع المنظمات الدولية والمحلية، من خلال أدوات تقييم تراعي الإعاقة.

وتضمنت التوصية الثانية، تحسين الوصول إلى المعلومة والتحذيرات، من خلال تطوير أنظمة إنذار مبكر سمعية (صفارات بصوت مرتفع، رسائل صوتية عبر الجوال)، مع تكييف المحتوى لتناسب الأشخاص الذين لا يعتمدون على الرؤية.، وإنتاج رسائل إخلاء بصيغة صوتية يمكن نشرها عبر مكبرات صوت أو التطبيقات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، بينما التوصية الثالثة تهيئة مراكز الإيواء والنزوح، وضمان الوصول الآمن والميسر داخل مراكز الإيواء، من خلال خرائط لمسية أو مرافقة إنسانية مدربة، وتصميم مساحات مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، تشمل حمامات ملائمة، مسارات إرشاد أرضية، وأماكن للتخزين الآمن لأجهزتهم المساعدة.

وشملت التوصية الرابعة، الدعم النفسي والاجتماعي، عبر تأسيس برامج دعم نفسي جماعي وفردي بإشراف مختصين في التعامل مع الإعاقة البصرية، يراعون الصدمة الناتجة عن الحرب وفقدان البصر المفاجئ، وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في مجموعات دعم الأقران (peer support groups) لخلق شبكة تضامن ومجتمع احتواء، وتوفير مواد تعليمية بطريقة برايل أو ملفات صوتية لتلاميذ المدارس المكفوفين الذين فقدوا مدارسهم أو موادهم، وكذلك دعم التعليم عن بُعد عبر تقنيات صوتية مبسطة مع معلمين مدربين على التعامل مع المكفوفين أثناء الأزمات.

وبحسب تقرير الجمعية، تشهد حياة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في قطاع غزة تدهورا مأساويا بفعل الحرب والنزوح المستمرين، حيث أظهرت دراسة وصفت الواقع المعيشي لهذه الفئة بأنهم يواجهون صعوبات بالغة في حياتهم اليومية تتمثل في محدودية الحركة، ونقص البنى التحتية المهيأة لحالتهم، وغياب الأدوات المساندة مثل العصي البيضاء والأجهزة الخاصة، وتؤدي هذه الظروف إلى إجهاد نفسي كبير، ويعاني العديد منهم من خوف دائم، وشعور بأنهم عبء على أسرهم، خاصة في ظل الصعوبات الناجمة من القصف والفقر .

كما ذكرت الدراسة، أنه على الصعيد الاقتصادي، يواجه ذوو الإعاقة البصرية وضعاً مالياً كارثياً بسبب انعدام مصادر الدخل وغلاء الحاجات الأساسية، صعوبة وصولهم إلى المساعدات الإنسانية بسبب الاكتظاظ في مراكز الإيواء وغياب مرافق التنقل المناسبة، أما من الناحية الصحية والبيئية، فالوضع هش للغاية، تردي البنية التحتية، وشح المياه الصالحة، وتفشي الأمراض، وتجمع مياه الصرف الصحي في مناطق النزوح تُعرّضهم لخطر السقوط والإصابات، إلى جانب نقص أدوات العناية الشخصية وصعوبة استخدام المراحيض العامة .

وأشارت منظمات حقوقية، مثل اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة، إلى أن غياب التحذيرات المسبقة بوسائل مناسبة، وتدمير بنية الاتصالات، منع كثيرين من النزوح وتأمين حماية كافية، ما دفع بعض ذوي الإعاقة البصرية للتحوّل من فئة محمية إلى ضحية مباشرة

من جانبه يؤكد الدكتور مصطفى عابد مدير برنامج التأهيل المجتمعي بجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية بغزة، أن الجمعية تعمل ضمن برنامج ثابت للتأهيل المبنى على المجتمع المحلى الذي يتعامل مع كل أنواع الإعاقات من خلال الزيارات المنزلية، ويتم إجراء زيارات منزلية للأشخاص ذوي الإعاقة منهم الإعاقة البصرية خاصة الأطفال في المدارس.

ويضيف "عابد"، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الهدف من تلك الزيارات الميدانية هو تعريف كيفية التعامل مع ذوى الإعاقة البصرية سواء على مستوى التعليم أو أنشطة الحياة اليومية أو الاندماج داخل المجتمع المحلى.

ويشير إلى أن برنامج الجمعية يتسم بالتكامل ويتعامل مع كل الإعاقات، حيث إن كل عام يتم تعليم الطلاب المكفوفين في المدارس لتسهيل حصول الطلاب ذوى الإعاقة البصرية على التعليم طبقا للمواثيق الدولية التي تؤكد على هذا الحق، لافتا إلى ضرورة التأهيل الطبي وإعادة الإدماج من خلال توفير خدمات تأهيل بصري ونفسي للمصابين حديثاً، بما يشمل العلاج الطبيعي، والتدريب على التنقل باستخدام العصا البيضاء، والمهارات اليومية، وإعادة تأهيل مراكز ذوي الإعاقة المدمّرة وتزويدها ببرامج حديثة تعتمد على التكنولوجيا المساعدة والتعليم الرقمي الميسر، بجانب إشراك ذوي الإعاقة البصرية في صنع القرار من خلال تمثيلهم في لجان الطوارئ المحلية ومنصات التنسيق الإنساني.

 ربع الجرحى أصيبوا بإصابات مغيرة للحياة

منظمة الصحة العالمية أكدت أن ربع الجرحى على الأقل أصيبوا بإصابات مغيرة للحياة وتستلزم برامج تأهيل طويلة الأمد، حيث يشمل ذلك التأهيل البصري والتدريب على الحركة وأن فجوة الخدمات هائلة مقارنة بالحاجة الفعلية. وهذا قبل حتى احتساب الأشخاص الذين كانوا أصلاً مكفوفين أو ضعاف البصر قبل الحرب وتوقفت عنهم الخدمات.

وكان التعليم الدامج للأونروا يجسر فجوة الوصول للأطفال ذوي الإعاقة البصرية عبر مواد برايل، تكبير بصري، وتدريب معلمين، بعد تدمير المركز وتشتّت المدارس، انقطعت السلسلة: لا طابعات برايل، لا أوراق، ولا مساحات آمنة للتدريب. كثيرون الآن يعتمدون على تسجيلات صوتية بدائية أو على أقارب يتهجون الدروس شفهياً وسط الفوضى.

كما يؤكد مصطفى عابد أن الحالة النفسية والاجتماعية تعد من بين الأكثر تضرراً، حيث يعيش ذوو الإعاقة البصرية حالة من القلق المستمر وضبابية المستقبل، لافتا إلى أن الوضع ازداد خطورة مع ارتفاع أعداد المصابين حديثاً بفقدان البصر نتيجة الإصابات المباشرة بالقصف، في وقت دُمّرت فيه مراكز إعادة التأهيل الخاصة بالمكفوفين، ما حرمهم من خدمات أساسية مثل تعلّم "برايل" واستخدام العصي البيضاء.

ويوضح أن منظمات حقوقية، بينها اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أشارت إلى أن غياب التحذيرات المسبقة بوسائل ملائمة وتدمير البنية التحتية للاتصالات حرم الكثير من ذوي الإعاقة من النزوح الآمن، ما جعلهم ضحايا مباشرين للحرب، داعيا إلى تبني حزمة من السياسات والإجراءات العاجلة لدعم ذوي الإعاقة البصرية، من أبرزها توفير أدوات مساعدة فورية مثل العصي البيضاء والساعات الناطقة كجزء من سلال الطوارئ، وتوفير تعليم بديل عبر برايل ومواد صوتية لضمان استمرار العملية التعليمية للأطفال المكفوفين.

ويؤكد أن إنقاذ ذوي الإعاقة البصرية في غزة يتطلب استجابة إنسانية عاجلة ومتكاملة، تراعي خصوصية هذه الفئة وتمنحها الحق في الحماية والكرامة والعيش بكرامة، خاصة أن الوضع الإنساني في القطاع يصعب عليه حتى توصيف حجم المعاناة التي يعانيها المكفوفين، خاصة مع تفاقم الظروف منذ اندلاع حرب 2023.

ويشير إلى أن ذوي الإعاقة البصرية في غزة كانوا يواجهون تحديات كبيرة قبل الحرب، بسبب ندرة الخدمات وتأهيل محدود يقتصر على خمسة مؤسسات فقط، معظمها يتركز في مدينة غزة، وهو ما يضع جزءًا كبيرًا من هؤلاء خارج دائرة الخدمات الأساسية، إلا أنه مع اندلاع الحرب، ازداد الوضع سوءًا، بعدما أجبر أكثر من 5500 شخص على مواجهة إعاقة بصرية جديدة، وتشكل الإناث 52.5% من ذوي الإعاقة البصرية، فيما يمثل الأطفال أقل من 18 سنة 14% من هذه الفئة.

ويتابع عابد: "مع الحروب تزداد الأعداد، وتتفجر المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية، وسط نقص حاد في الفحوصات الطبية، المعينات البصرية، والأدوية، بالإضافة إلى غياب ممرات آمنة ومراكز إيواء مهيأة لهم"، مؤكدا أن الحرب عطلت العملية التعليمية لنحو 300 طالب كفيف، حرمتهم من حقهم في التعليم الملائم.

وطالب بضرورة توفير مناهج تعليمية مكبرة وأجهزة ناطقة تسهل التعلم، خاصة أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006) التي صدقت عليها فلسطين عام 2014، تشكل إطارًا قانونيًا هامًا، لكنه لم يطبق بشكل فعال بسبب الحصار والتدمير.

ويقول عابد إن جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية بغزة تسعى منذ 1997 لتقديم خدمات التأهيل المجتمعي، ودعم الطلبة، وتوفير الأجهزة، لكن الحرب فرضت قيودًا كبيرة، حيث تتابع الحالات في مراكز الإيواء وتحاول توفير الأدوية والخدمات الصحية، لكن الدمار المستمر يزيد من صعوبة العمل."

ويوضح أبرز الاحتياجات التي تتطلب استجابة عاجلة، وهي توفير فحوصات طبية دقيقة وأجهزة متخصصة، وتأمين النظارات والمعينات البصرية، وتطوير مناهج تعليمية مهيأة لذوي الإعاقة، وإنشاء مراكز إيواء ومخيمات خاصة ملائمة، وتوفير ممرات آمنة وأجهزة مساعدة كالهواتف النقالة والعصي، بجانب برامج تأهيل نفسي وبصري وتعزيز الاعتماد على الذات، ودعم تمكين اقتصادي واجتماعي.

 

شهادات دولية عن الوضع المزري للمكفوفين خلال الحروب

وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، أكد أن الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة ذوي الإعاقة البصرية، هم من الفئات الأكثر تضررًا في النزاعات المسلحة، حيث تتعرض حقوقهم الأساسية للخطر، ويعانون من محدودية وصولهم إلى الخدمات الصحية والتعليمية، مما يستدعي توفير دعم خاص لهم في جميع الأوقات."

فيما أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أن الحروب تزيد من هشاشة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتضعف قدرتهم على النجاة والتكيف، ويجب توفير ممرات آمنة وخدمات مخصصة خلال حالات النزوح، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي لهم."

 

 أكثر من 30 فلسطينيًّا يصابون بإعاقات دائمة أو مؤقتة يوميًا في القطاع

وفي 17 أغسطس، سلط المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الضوء على وضع أصحاب الإعاقات في غزة خلال الحرب، بتأكيده أن أكثر من 30 فلسطينيًّا يصابون بإعاقات دائمة أو مؤقتة يوميًا في القطاع ، في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ أكتوبر 2023.

وأضاف المرصد، أن أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة قفزت بنحو 35% خلال 22 شهرًا من الإبادة الجماعية، كنتيجة مباشرة للجرائم الإسرائيلية المستمرة، وعلى رأسها الهجمات شديدة التدمير الموجهة عمدًا ضد المدنيين، والحصار الشامل، والتدمير المنهجي للمنظومة الصحية، والحرمان المتعمد من العلاج والخدمات الأساسية، ما أسفر عن وقوع عشرات الآلاف من الإعاقات الدائمة والمؤقتة ومعاناة جسدية ونفسية جسيمة، في إطار سياسة تدميرية منهجية تشكّل جزءا أصيلا من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.

ولفت إلى أن من بين نحو 156 ألف فلسطيني أُصيبوا خلال هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وثّق المرصد إصابة أكثر من 21,000 ألف فلسطيني بإعاقات دائمة أو مؤقتة، وهي نسبة مرتفعة جدًا، وتعكس تعمد إسرائيل إيقاع أكبر قدر من الخسائر بين المدنيين، عبر استخدام أسلحة وذخائر ذات قدرة تدميرية شديدة، بما في ذلك القذائف الانشطارية والمتفجرات الثقيلة والصواريخ الموجهة إلى مناطق مأهولة، والتي تسببت في بتر الأطراف، وتشوهات جسدية، وفقدان البصر وإصابات دماغية وحسية خطيرة خلّفت إعاقات بالغة ومعاناة جسدية ونفسية جسيمة، وهو ما يندرج ضمن فعل «إلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بأعضاء الجماعة»، أحد الأفعال المكوّنة لجريمة الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي.

تقرير المرصد الأورومتوسطي عن ذوى الإعاقة في غزة
تقرير المرصد الأورومتوسطي عن ذوى الإعاقة في غزة


وأكد أنه قبيل شروع إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بغزة في أكتوبر 2023، قُدّر عدد ذوي الإعاقة في القطاع بنحو 58 ألف شخص، فيما تم تسجيل 21 ألف إصابة جديدة بالإعاقة الدائمة والمؤقتة خلال أقل من 23 شهرًا رفع نسبة ذوي الإعاقة الدائمة والمؤقتة إلى نحو 3.4% من إجمالي السكان، بفعل الجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وأوضح أن العدد الأساسي البالغ 58 ألفًا قبل أكتوبر 2023 لم يكن رقمًا طبيعيًا أو مرتبطًا فقط بأسباب صحية أو وراثية، بل نتج في معظمه عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع عبر السنوات، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة، والهجمات العسكرية المتلاحقة التي خلّفت آلاف الإصابات الدائمة، ما يؤكد أن إسرائيل انتهجت أساليب منظمة لإيقاع أكبر عدد ممكن من ذوي الإعاقة فى غزة، بصورة مقصودة ومستمرة، حتى قبل العدوان الحالى.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن فريقه الميداني، استنادًا إلى معطيات وزارة الصحة الفلسطينية والمؤسسات المختصة بذوي الإعاقة، وثّق تسجيل نحو 8700 حالة إعاقة دائمة، بينها 4800 حالة بتر، و1200 حالة شلل، و1200 حالة فقد بصر، و1500 حالة أخرى شملت فقد النطق والسمع والإعاقات الناجمة عن الحروق الكبرى.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

قانون حماية المستهلك يلزم الموردين بـ10 بيانات أساسية على السلع

زى النهارده .. عصام الحضري يظهر للمرة الأولى بقميص الأهلى

6 أغنيات جديدة لـ عبد المجيد عبد الله فى مينى ألبوم مرتقب

تفاصيل التحقيقات مع متهم بالاستيلاء على أموال المواطنين بزعم تحديث البيانات

محافظ القاهرة: إخلاء ميدان رمسيس من الإشغالات والباعة خلال أيام


مكي يضع خطة إعداد المقاولون العرب في فترة التوقف بعد العودة من العمرة

وائل كفورى يحيى حفلاً غنائيًا فى أبو ظبى.. اعرف الموعد

الهاند ميد يتحدى الآلات.. حكاية خراطة الأخشاب وصناعة الشمسيات.. ورشة صغيرة بالمحلة تحافظ على مهنة الخراطة من الاندثار.. والأسطى حمدى عوف يحوّل جذوع الأشجار إلى منتجات يدوية فريدة وسط غزو الماكينات الحديثة.. صور

مصر ضد إثيوبيا .. موعد مباراة الفراعنة في تصفيات كأس العالم

وزارة الزراعة تطرح طبق البيض بـ130 جنيها فى منافذها المتحركة لمواجهة الغلاء


من الشهرة للسجن.. قصة سقوط صانعة المحتوى سوزي الأردنية

الزمالك ضد المصري .. موعد أول ظهور للأبيض بعد انتهاء التوقف الدولى

أحمد المالكى يجدد تعاونه مع فضل شاكر بعد نجاح "قاعد مكانا"

شارموفرز يحيى حفلا غنائياً بأحد فنادق العلمين غدا

تعاون جديد بين سميرة سعيد وأحمد أمين فى ألبومها الجديد

رادار المرور يلتقط 1176 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

ميكالي يدخل حسابات الاهلي لخلافة ريبيرو

‎هيمنة تاريخية للفراعنة.. أرقام مواجهات مصر وإثيوبيا قبل مواجهة الجمعة

"السياحة" توضح حقيقة فيديو متداول بشأن مقبرة بتاح شبسس بأبو صير

تنسيق الدبلومات الفنية.. إتاحة موقع التنسيق لتسجيل الرغبات الخميس 4 سبتمبر

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى