بطل الحقيقة يغلب الروايات.. حضور عبد الناصر فى الأدب بين التقديس والتجريح

الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
محمد عبد الرحمن
 
كانت القمة العربية الطارئة قد انتهت منذ ساعات، وكان الزعيم الخالد جمال عبدالناصر قد أنهى لتوه حضور آخر فعاليات تلك القمّة التى دعا هو بنفسه إلى عقدها بشكل عاجل، ردًّا على أحداث أيلول الأسود، لم يكن الزعيم المهزوم غدرًا قبلها بثلاث سنوات بمنأى عن قضايا وطنه العربى ومحيطه الشرق أوسطى، لكن الرجل الذى لم يستطع العدو أن ينال منه فى حرب الأيام الستة، نالت منه الانكسارات واحدة تلو الأخرى، وأخذت من روحه حتى أسلمها إلى بارئها، منتصرًا فى عيون أمته وإن لم ينتصر فى ميدان الحرب.
 
كانت فاجعة المصريين والأمة العربية فى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر عظيمة؛ فالرجل الذى أقنع فى ساعات قليلة الملك الأردنى حسين والزعيم الفلسطينى ياسر عرفات بوقف إطلاق النار وإنهاء المواجهة الدامية التى عرفت بـ«أيلول الأسود»، بدا مرهقا، لكن الأمر لم يصل بأقصى المتشائمين إلى توقع رحيله بهذه السرعة، تاركا أمته تعانى الهزيمة والفقدان، فلم يكن ناصر يعانى من مرض عضال أو حالة صحية متدهورة تجعل رحيله أمرًا متوقَّعًا، بل كانت فحوصاته الطبية تشير إلى أن حالته مستقرة نسبيًّا.
 
وربما كان للموت المفاجئ، وللسيرة المتباينة للرجل، وللهزيمة التى نالت من رمز القوة فى نظر العرب، الأثر الأكبر فى أسطرة عبدالناصر إلى حدّ وضعه فى مصافّ الأبطال الشعبيين، وجعل صورته خالدَة فى الذاكرة الشعبية، فقد رحل وهو فى الثانية والخمسين من عمره، لكنّه ارتبط فى وجدان المصريين والعرب بصورة ملحمية صنعت منه أسطورة، وجعلته يقف جنبًا إلى جنب مع أبطال الوجدان الشعبى العربى، مثل عنترة بن شداد وأبى زيد الهلالى.
 
جمال عبدالناصر هو الغائب الحاضر فى روايات عربية شتى؛ بعضها كان حضوره فيها مركزيًا، وبعضها جاء حضوره غير مباشر ورمزيًا، صور متناقضة بين التقديس والنقد، لكن بشكل عام لم تنشغل الرواية العربية بزعيم، سبق أو تلا ناصر، كما انشغلت به، فقد ظل الرجل إلى اليوم الأكثر حضورًا فى السرد العربى، فى رحلة بدأت فى ستينيات القرن الماضى ولم تنتهِ بعد، وربما لن تنتهى أبدًا.
 
صورته فى الحقيقة لا تقل تخييلاً وأسطورية عمّا أوردته الروايات المُحبّة، وفى مفاتيح النقد أيضًا، ولعلّه بهالته اللامعة وحضوره الشعبى الذى لا يُضاهَى، يُمثّل تحدّيًا لأى قلم يُقرر أن يقترب من حِماه، وأن يتعاطى مع حكايته التى يراها ملايين الناس مُنتمية لهم كما لصاحبها، وربما أكثر، لكنه بالرغم من ثِقَل الحضور، وعاطفية الغياب، وذكراه التى لا تموت لدى محبيه وكارهيه رغم مرور السنوات؛ حل ضيفًا على كثيرين من الكتاب، وحجز موقعًا قد لا يُدانيه أحد فى مدوّنة الأدب الحديث.
 
كان نجيب محفوظ من أكثر الروائيين العرب الذين استعانوا بصورة الزعيم فى أعمالهم، فقد بدا ناصر أكثر حضورًا من أى زعيم آخر فى روايات عميد الرواية العربية، ففى رواية أمام العرش مثلاً، يقف ناصر أمام هيئة المحكمة فى صورة تخييلية، يحاول فيها أديب نوبل محاسبته على مواقفه وأعماله، بين انتصاراته للفقراء وهزائمه فى المعارك. وبينما مزجت مراسم محاكمته بين الإعجاب والتوبيخ، اختار محفوظ أن يضعه فى خانة المخلّدين، إذ رأت المحكمة أنّ عبدالناصر من القلّة التى قدّمت لبلادها بقدر ما أساءت إليها.
 
أما الروائى الراحل جمال الغيطانى فكان واحدًا ممّن استلهموا شخصية الزعيم فى رواياتهم، ففى روايته كتاب التجليات يحضر ناصر حضورًا رمزيًّا وعجائبيًّا، إذ تتماهى صورته مع صورة الأب، حتى يخال للراوى أن عبدالناصر يخاطبه بصوت أبيه، وفى الرواية يتوحد الأب والزعيم، فيقول الراوى: «رأيت ملامح أبى فى جسم عبدالناصر، يرتدى طربوشًا أحمر وجلبابًا أخضر من الصوف، هو أبى وهو عبد الناصر»، وهكذا بدت الرواية فى أحد وجوهها مرثية للأب وللزعيم معًا.
 
وفى رواية فرج صوَّرت الأديبة الراحلة رضوى عاشور ناصر كبطل شعبى؛ فقد رآه المصريون البطل المنتظر الذى سيخلّصهم من مفاسد النظام الملكى وتبعيته للاستعمار الأجنبى، وخاصة الإنجليزى، ويحرّر البلاد من العبودية، وممّا ثبّت صورته كبطل أنّ شروط البطولة توفّرت فيه، سواء الخارجية منها كالمظهر، أو الداخلية كالأخلاق والشهامة والقيم.
 
ومن الروايات الحديثة التى استدعت صورة الزعيم الراحل، وإن كان بشكل رمزى، رواية صلاة القلق للروائى محمد سمير ندا، ففيها بدا ناصر الحاضرَ الغائبَ، إذ صنع الخوجة تمثالًا له كـ«زعيم منتصر» فى حرب 1967، على خلاف ما جرى فى أرض الواقع، وكان الشيخ أيوب يعين الناس على تحمّل مشقّات الحرب، محاولاً إقناعهم بأنها حرب مقدسة توشك على الانتهاء، حتى بلغ به الأمر أن نسب إلى القرآن كلامًا مختلقًا يمجّد عبدالناصر، وحين حاول نوح النحّال، المتعلّم العائد من القاهرة، أن يقنع الناس بأنّ هذا الكلام منحول، عَدّوه مخطئًا، لتظلّ القداسة مرتبطةً بالزعيم، الذى بدا أشبه بالمهدى المنتظر.
 
وهكذا جاء حضور ناصر فى الرواية متراوحًا بين التقديس والانتقاد، وهى الصورة التى طالما شكّلت محورًا أساسيًّا فى الأدب العربى عن الزعيم الأكثر حضورًا فى أدبنا العربى وربما العالمى أيضًا.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد العتبانى حكما لمواجهة الأهلي وسيراميكا فى كأس عاصمة مصر

باريس سان جيرمان يحقق إنجازا تاريخيا بعد التتويج بلقب كأس الإنتركونتيننتال

أخبار × 24 ساعة.. الحكومة تناقش تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

تحذير هام من الشبورة المائية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025

المتحدث باسم الحكومة: الأعوام المقبلة ستشهد تحسنا فى معدلات الدخل


لماذا تعجل فيفا فى إيقاف قيد الزمالك؟ السر فى صفقة شيكو بانزا

ركلات الترجيح تحسم قمة باريس سان جيرمان ضد فلامنجو فى نهائى كأس القارات

القضية السابعة.. فيفا يقرر إيقاف قيد نادى الزمالك لـ 3 فترات جديدة

قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا


حالة الطقس.. سحب ممطرة على السواحل الشمالية الشرقية وأمطار متفاوتة الشدة

رويترز: المملكة المتحدة تعفى حقل ظهر من العقوبات المفروضة على روسيا

عصام ورامى أمام وعمر متولى يستقبلون عزاء أرملة الراحل مصطفى متولى

غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

بتروجت يستعيد خدمات حامد حمدان وهادى رياض أمام الإسماعيلى

رئيس الوزراء: نركز من الآن على خفض معدلات الفقر وإحداث نقلة فى حياة المواطن

مجدى فكرى يقلب السوشيال ميديا بصور لرجل مختل عقليا.. والفنان يكشف الحقيقة

قرار حكومى بالعفو عن باقى مدة العقوبة لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة

طليقة مصطفى أبو سريع تحتفظ بصورهما بعد انفصالهما رسميًا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى