فيلسوف الصين.. كونفوشيوس هل دعا إلى السلطوية وتكريس الاستبداد؟
تمر اليوم ذكرى ميلاد الفيلسوف الروحى الصينى الشهير كونفوشيوس، إذ ولد في 28 سبتمبر عام 551 ق.م، وهو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي. ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية.
يُعرف كونفوشيوس في الثقافة الصينية بـ"المعلم الأكبر"، ويمثل إرثه الفكري حجر الأساس للفكر الصيني التقليدي. ورغم أن تعاليمه تُدرج عادة في إطار الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية، فقد حُمل بعض معاصريه والباحثين من بعده على اعتباره نبيًا، لما في أفكاره من نزعة روحية وإصلاحية.
كونفوشيوس.. نبي الصين أم فيلسوفها؟
لم يدعِ كونفوشيوس النبوة قط، ولم يزعم أنه تلقى وحيًا من السماء، غير أن إشاراته المتكررة إلى أن "السماء أوكلت إليه مهمة إصلاح بلاده" جعلت البعض يعتبره نبيًا مرسلاً، فقد عبّر في أقواله عن ثقته بأن "السماء لن تخذله"، وأنها وحدها التي تفهمه. هذا البعد الروحي، إلى جانب طابعه الإصلاحي، جعل فكره يتجاوز حدود الفلسفة ليقترب من الرسالة.
السلطة والحكم في الفكر الكونفوشيوسي
ركز كونفوشيوس على ضرورة الحكم الأخلاقي القائم على الفضيلة، ورأى أن الحاكم ينبغي أن يكون قدوة لشعبه. دعا إلى نموذج أبوي سلطوي يفرض فيه الحاكم احترامه بفضل التزامه بالقيم العليا، مقابل طاعة الشعب له. هذه الرؤية جعلت البعض يتهمه بتكريس الاستبداد، عبر إضفاء شرعية شبه "إلهية" على الحاكم بوصفه "الأب" الذي يطيعه الرعية بلا اعتراض.
في المقابل، دافع آخرون عن كونفوشيوس مؤكدين أنه كان يسعى لإشاعة العدالة من خلال تعميم التعليم، والدعوة إلى التزام الحكام والمحكومين معًا بالفضيلة، بما يجعل السلطة أكثر مسؤولية وأقل طغيانًا.
الصدام مع السلطة ثم الانتصار بعد موته
لم ينجح كونفوشيوس في فرض فلسفته في حياته، بل لقيت أفكاره مقاومة، خصوصًا من السلطة المركزية في عهد الإمبراطور تشين شي هوانج، أول موحد للصين، الذي اعتبر الكونفوشيوسية خطرًا على حكمه. أمر تشين بحرق الكتب المخالفة لفلسفة "القانونية" التي اعتمدها، بل عاقب الفلاسفة المخالفين بالدفن أو الرجم.
لكن بعد رحيل سلالة تشين القصيرة العمر، استعادت الكونفوشيوسية مكانتها، وأصبحت المرجع الأساسي للتعليم والحكم في الصين لأكثر من ألفي عام، حتى نُقشت أقوال كونفوشيوس على المعابد، وأقيمت له الهياكل، وارتُفعت مكانته إلى مصاف الأنبياء بل والآلهة في نظر بعض أتباعه.
يجسد إرث كونفوشيوس تداخلًا فريدًا بين الفلسفة والدين والسياسة. فبينما يُنظر إليه في الغرب كفيلسوف أخلاقي، حمله الصينيون إلى مرتبة النبي، ورأوا في فكره إطارًا للحكم الرشيد. ومن خلال صراعه مع السلطة، ثم انتصار أفكاره بعد موته، صار كونفوشيوس رمزًا لاستمرارية القيم الأخلاقية في مواجهة الطغيان السياسي.
Trending Plus