الشهور القبطية بين حكمة الأجداد والمواسم الزراعية.. التقويم القبطى امتداد للحضارة المصرية.. طوبة تخلى الصبية كركوبة وأمشير أبو الزعابيب.. والكنيسه استخدمته فى تحديد الأعياد والأصوام وارتبط بتقويم شهداء الاضطهاد

يعود التقويم القبطى بجذوره إلى التقويم المصري القديم، حيث استخدمه الأجداد في تنظيم حياتهم الزراعية والدينية منذ آلاف السنين، وظل حاضرًا حتى اليوم بين المصريين مسلمين وأقباطًا على السواء. وعُرف باسم "تقويم الشهداء" منذ عام 284 م، وهو العام الذي شهد عصر الاضطهاد المسيحي في عهد الإمبراطور دقلديانوس، غير أن أهميته لم تتوقف عند البعد الدينى، بل امتدت إلى حياة الفلاح المصرى الذى اعتمد عليه فى معرفة مواسم الزراعة والفيضان والحصاد، وارتبط به في أمثال شعبية متوارثة صارت سجلًا حيًا للحكمة والخبرة الزراعية.
توت وبداية العام الزراعى
ويبدأ العام القبطي بشهر توت الذي يوافق 11 سبتمبر، وسُمّي باسم الإله تحوت إله الحكمة عند المصريين القدماء. ويشتهر المثل القائل "توت ريّه ولا فوت" إشارة إلى فيضان النيل وما يحمله من بركة وبداية موسم جديد، وفيه تتجدد دورة الحياة الزراعية، حيث تُروى الأرض وتتهيأ للزراعة.
بابة شهر العمل
يأتي بعده شهر بابة الذي يمثل ذروة النشاط الزراعي، إذ تبدأ زراعة القمح والشعير، ويقال فيه "بابة عش ولا تهابه" تعبيرًا عن وفرة المحاصيل وثقة الفلاح في الأرض. الطقس فيه معتدل والأرض خصبة، ما يجعله شهر العمل والجد في الحقول.
هاتور موسم الذهب المنثور
ويحل شهر هاتور الذي يصفه الفلاحون بقولهم "هاتور أبو الدهب المنثور" في إشارة إلى حصاد الذرة ووفرة الخيرات. الطقس فيه يميل إلى البرودة ويُزرع خلاله البرسيم والبقوليات، لذلك اعتبره الفلاحون شهرًا ذهبيًا للزراعة.
كيهك روحانيات الشتاء
أما شهر كيهك فهو شهر الترانيم والروحانيات، إذ يتزامن مع الاستعداد لعيد الميلاد في الكنيسة القبطية. يقول المثل الشعبي "كيهك صباحك مساك" دلالة على طول ليله وقصر نهاره وشدة برودته. يقل فيه النشاط الزراعي، لكنه يظل غنيًا بالتراث الروحي والتراتيل.
طوبة البرد القارس
ويأتي بعده طوبة الذي يُعرف بأبرد شهور السنة. يقول الفلاحون "طوبة تخلي الصبية كركوبة" في إشارة إلى شدة البرد الذي يحد من النشاط الزراعي ويجعل الفلاحين يكتفون بالعناية بالمحاصيل القائمة.
أمشير رياح وتقلبات
شهر أمشير يلقب بـ"أبو الزعابيب الكتير" لكثرة رياحه وعواصفه. وبرغم صعوبة الطقس فإن هذه الرياح تساعد في تلقيح الأشجار. لذا كان الفلاحون يتعاملون معه بحذر ويترقبون تقلباته.
برمهات شهر الحصاد
مع دخول برمهات يبدأ موسم نضوج المحاصيل الأساسية مثل القمح والشعير. ويقول المثل "برمهات روح الغيط وهات" دلالة على وفرة الإنتاج. الطقس معتدل ومناسب للحصاد، ما يجعله من أكثر الشهور ارتباطًا بالخير.
برمودة تحديات الآفات
ثم يأتي شهر برمودة الذي يُحذّر منه الفلاحون بقولهم "برمودة دق البيوت وخلى كل عود يموت" إشارة إلى انتشار الحشرات والآفات. وهو شهر يتطلب الحذر في حماية المزروعات رغم دفء مناخه.
بشنس موسم الكنس
وفي بشنس يبدأ موسم الحصاد الكبير حيث يجمع الفلاحون الغلال ويخزنونها. ويشتهر المثل "بشنس يكنس الغيط كنس"، فالحقول تُفرغ فيه من المحاصيل استعدادًا لحر الصيف.
بؤونة شهر العسل
شهر بؤونة يتميز بشدة الحر ويقال "بؤونة الحجر في الشمس سخن". وهو أيضًا موسم جني العسل والفاكهة الصيفية، لذلك عُرف بين الفلاحين بـ"بؤونة المزرع المليانة".
أبيب ذروة الحر
في شهر أبيب تبلغ الحرارة ذروتها ويقال "أبيب يخلي العجوز تسيب" في إشارة إلى شدته. لكنه أيضًا موسم جني البلح والعنب وأنشطة زراعية مرتبطة بالفاكهة الصيفية.
مسري ونهاية الدورة الزراعية
ويختتم العام بشهر مسري الذي يصفه المثل "مسري يجري المية في الغيطان جري"، حيث يشهد بدايات الفيضان ونضوج القطن والعنب. يعد مسري شهر العطاء المتجدد الذي يمهد لدورة زراعية جديدة.
حكمة المصريين في الأمثال الشعبية
وتكشف هذه الأمثال الشعبية عن خبرة الفلاح المصري العميقة في قراءة المناخ وفصول السنة وربطها بالإنتاج الزراعي. كما أن أسماء الشهور نفسها تحمل بصمات الحضارة المصرية القديمة من خلال ارتباطها بالآلهة ودورة الفيضان، وبذلك ظل التقويم القبطي شاهدًا على تواصل التاريخ، حاضرًا في الطقوس الكنسية وفى وجدان الشعب المصري كله باعتباره تقويم الأرض والحياة والهوية.

Trending Plus