سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 سبتمبر 1969.. محمد حسنين هيكل يسافر إلى ليبيا لمعرفة قائد ثورتها ثم يعود من بنغازى إلى منزل عبدالناصر الذى طالبه بطبع صور معمر القذافى فورا

وجد الكاتب الصحفى، محمد حسنين هيكل، نفسه على طائرة سارت من القاهرة إلى بنغازى لإجراء أول اتصال مباشر بين الثورة الليبية ومصر، وقضى 36 ساعة قابل خلالها عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان آخر من التقى بهم قائدهم ورئيسهم العقيد معمر القذافى، حسبما يكشف «هيكل» فى مقال «10 أسباب للخطر من حول ليبيا»، المنشور يوم 3 سبتمبر 1971، وذلك بعد عامين من قيام الثورة يوم 1 سبتمبر 1969.
يذكر «هيكل» أنه فى يوم 3 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1969، كان لقاؤه الأول وجها لوجه مع الثورة الليبية، ومع قيادتها، ومع المغامرة شبه الأسطورية التى قاموا بها «على حد وصفه»، مؤكدا: «اعتبرتها وقتها، وما زلت اعتبرها، أهم حدث عربى إيجابى فى مواجهة سلبية هزيمة سنة 1967».
كانت الأخبار التى انتقلت من ليبيا إلى العالم منذ يوم 1 سبتمبر 1969 أن مجلس ثورة استولى على الحكم فى ليبيا وأعلنوا الجمهورية، وأن قائد الثورة هو العقيد «سعد الدين أبوشويرب»، وظل هذا الاسم هو المطروح لساعات، ونشرت الأهرام حوارا معه بهذه الصفة يوم 4 سبتمبر 1969 أجراه الكاتب الصحفى زكريا نيل ثم تراجعت عن هذا فى اليوم التالى «5 سبتمبر»، وقالت إن رئيس مجلس الثورة الليبية لم تعرف شخصيته.
كشف «هيكل» حقيقة أن «أبوشويرب» ليس هو القائد الحقيقى لما حدث، وجاء ذلك بعد 3 سبتمبر 1969، حيث كلف جمال عبدالناصر فى هذا اليوم، فتحى الديب مسؤول الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية بالسفر إلى ليبيا، حسبما يذكر «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا»، مضيفا أن عبدالناصر قال له: «أمرت بتجهيز خطاب منى لقائد الثورة الليبية لأقدمك له، ومنتظر رد ليبيا على وإبلاغنا باستعدادهم لاستقبال طائرتك لتقوم فورا، ولعلمك أنا كلفت هيكل ليسافر معك لتغطية لقائك بقائد الثورة، على أن يعود بنفس الطائرة ومعه تقرير عاجل منك».
سافر «هيكل» والتقى بعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكان آخر من التقى بهم قائدهم ورئيسهم معمر القذافى، وعاد إلى القاهرة من طرابلس، وجد سيارة تنتظره فى المطار ورسولا يقول له: «الرئيس ينتظرك فى بيته فورا»، ويتذكر: «عندما ذهبت إلى هناك كان عبدالناصر فى غرفة مكتبه يقول لى: لقد تلقيت بالشفرة تقريرا من البعثة الرسمية التى سافرت إلى ليبيا، ولكنى أريد أن أسمع انطباعاتك كصحفى».
بدأ «هيكل» فى الحديث عن انطباعاته كصحفى، قائلا: «قلت لجمال عبدالناصر وكنت لا أزال مبهورا بما رأيت وسمعت فى بنغازى، أن ما حدث شيئا كالخرافة أوهو كالحلم، وقال جمال عبدالناصر باسما: هذه الأوصاف تحتفظ بها لمقالاتك، وأما أنا أريد أن أسمع كلاما محددا».
يؤكد «هيكل»: «أخرجت من جيبى دفتر مذكرات ملأت صفحاته بما كتبت فى بنغازى، وقلت: سوف أروى أمامك تجربتى هناك كما عشتها».. وقبل أن أبدأ سألنى جمال عبدالناصر: من هو قائد الثورة؟.. قلت له: معمر القذافى.. وردد جمال عبدالناصر الاسم مرتين ثم سألنى: هل لديك صورة له؟ قلت: كان معى هناك مصور من الأهرام وقد التقط له عشرات الصور على وعد منى بألا أنشر إلا بإذنه وحين يجىء الوقت المناسب».
يتذكر «هيكل»: «أشار جمال عبدالناصر إلى تليفون على مكتبه وقال لى: أطلب مكتبك الآن يطبعون الصور بأسرع ما يمكن ويبعثون بها إلينا هنا لأنى أريد أن أتمثله فى ذهنى».. يعلق «هيكل»: «كان بين ما يفعله جمال عبدالناصر عادة مع الشخصيات التى يهتم بها أن يضع أمامه على مكتبه مجموعة من صورهم ثم يروح يدرس الملامح والتعبيرات، وكان يعتقد أنه يستطيع أن يقرأ من عشر صور أكثر مما يقرأ من عشرة تقارير، لأن الجانب الإنسانى فى الشخصية كان فى تقديره أهم المفاتيح لمسلكها العام».. يضيف: «نفذت ما طلبه، وفى انتظار أن تجىء الصور، رحت أتحدث وأمامى دفتر مذكراتى الصغير أفتحه وأقلب صفحاته، ومضيت فى حديث طويل، وهو يسمع».
يقول «هيكل»: «تحدثت عن ظروف الثورة نفسها وتفاصيلها، وعن نوع الشباب الذين قاموا بها ونقائهم وبراءتهم، وعن الآمال والأحلام التى تملأ الصدور، ثم عن المخاطر القائمة والمحتملة من الذين أخذتهم المفاجأة بالثورة فى ليبيا، ولا يمكن أن نتصور بقاءهم مأخوذين طويلا بالمفاجأة».. يضيف:«جاءت مجموعة الصور المكبرة لمعمر القذافى وفرشها جمال عبدالناصر على مكتبه، ووضع نظارته على عينيه ولنصف الساعة، راح يتأمل هذه الصور مستغرقا فى تأمله لها بطريقة كاملة».

Trending Plus