نصف سكان الأرض بدون حماية اجتماعية بسبب النزاعات العالمية.. الفقراء واللاجئون أكبر ضحايا.. منظمة العمل الدولية تكشف النزوح القسري يتصاعد بسبب الحروب والمناخ.. وملايين البشر خارج شبكات الأمان الاجتماعى

** مصر تخطط لدمج اللاجئين في التأمين الصحي الشامل عبر تجارب تجريبية في محافظتين
** رواندا والأردن ولبنان نماذج ناجحة لدمج اللاجئين في أنظمة الحماية الوطنية
فى عالم تمزقه النزاعات والحروب، يعيش أكثر من نصف سكان العالم دون تغطية فعالة للحماية الاجتماعية، وفقا لتقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية بعنوان "الحماية الاجتماعية والنزوح القسري - دروس مستفادة من عقد من العمليات"، التقرير يكشف عن واقع مرير يضع مليارات البشر، وخاصة ضحايا النزاعات من اللاجئين والنازحين قسريا، خارج شبكات الأمان الاجتماعي الأساسية.
رغم الالتزامات العالمية المنصوص عليها في أهداف التنمية المستدامة، تشير الأرقام الرسمية إلى أن التغطية الفعالة للحماية الاجتماعية تصل إلى "أكثر من نصف سكان العالم بقليل فقط"، وفقا لتقرير منظمة العمل الدولية، هذا يعني أن مليارات البشر يعيشون دون الحماية الأساسية من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية، وأشارت المنظمة إلى أن الوضع يزداد سوءا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث تتركز "أكبر الفجوات في التغطية والكفاية"، وهذه هي البلدان نفسها التي "تستضيف عالميا معظم اللاجئين والنازحين قسريا الآخرين"، مما يخلق طبقات مضاعفة من الحرمان.
يشهد العالم تصاعدا خطيرا في أعداد النازحين قسريا نتيجة النزاعات المسلحة والحروب، يؤكد التقرير أن النزوح القسري "يتزايد، مدفوعا بالنزاعات المطولة والعنف والكوارث البيئية وأزمة المناخ"، هذه النزاعات لا تكتفي بتهجير الملايين من ديارهم، بل تحرمهم أيضا من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية في بلدان اللجوء، مما يخلق أزمة مضاعفة تطال أكثر الفئات ضعفا في المجتمع.
يكشف التقرير عن الفجوة الكبيرة بين الالتزامات المعلنة والواقع على الأرض، الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة (1.3) ينص على "تنفيذ أنظمة وتدابير الحماية الاجتماعية المناسبة وطنيا للجميع، بما في ذلك الأرضيات، وتحقيق تغطية كبيرة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030، أما الهدف الثالث (3.8) فيسعى ل"تحقيق التغطية الصحية الشاملة، بما في ذلك الحماية من المخاطر المالية، والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة والوصول إلى الأدوية واللقاحات الأساسية الآمنة والفعالة والجيدة وبأسعار معقولة للجميع".
وسط هذا المشهد القاتم، يقدم التقرير نماذج مشرقة لدول نجحت في كسر هذه الدائرة المفرغة من خلال إدماج اللاجئين في أنظمتها الوطنية للحماية الاجتماعية:
- في رواندا، تحولت السياسات من الورق إلى واقع ملموس، في عام 2017، "تعهدت الحكومة الرواندية بإدماج اللاجئين تدريجيا، بدءا باللاجئين الحضريين، وبحلول عام 2022، تم تغطية 12,080 لاجئا حضريا وطالبا بالتأمين الصحي المجتمعي في إطار النظام الوطني الذي تديره "هيئة الضمان الاجتماعي الرواندية"، وبدأ التسجيل الفعلي في سبتمبر 2019 مع إصدار بطاقات الهوية من الحكومة الرواندية.
- وفي منطقة تعج بالنزاعات والأزمات، يقدم الأردن نموذجا استثنائيا من خلال "صندوق استدامة بلس بلس" الذي يديره "مؤسسة الضمان الاجتماعي بدعم تقني من منظمة العمل الدولية"، وبحلول ديسمبر 2024، نجح الصندوق في تسجيل أكثر من 37,500 عامل، أكثر من نصفهم من غير الأردنيين، البرنامج يقدم "إعانة لمدة 12 شهرا للعمال المؤهلين" مع التركيز على "نهج اتصال وتوعية مخصص لرفع الوعي حول حقوق الحماية الاجتماعية".
- كينيا قدمت نموذجا للتكامل القانوني الشامل، بناء على تجربة سابقة تم فيها "إلحاق اللاجئين الحضريين الضعفاء تحت حماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بصندوق التأمين الصحي الوطني لعدد من السنوات، مع تمويل المفوضية لمساهماتهم"، أدرجت الحكومة الكينية "صراحة اللاجئين في قانون التأمين الصحي الاجتماعي الجديد المعتمد في عام 2023".
- في مصر، يجري تنفيذ مشروع طموح للتغطية الشاملة، ففي عام 2018، "تم سن قانون التأمين الصحي الشامل كجزء من التزام حكومة مصر بالتقدم نحو التغطية الصحية الشاملة، المشروع يتبع نهجا مرحليا: "بدأ التنفيذ متعدد المراحل للمخطط الجديد في عام 2019 وسيستمر حتى عام 2032، وتهدف الحكومة المصرية لتجريب إدماج اللاجئين وطالبي اللجوء فى محافظتين، مع إنشاء "مجموعتي عمل تقنيتين لمناقشة الخطوات العملية والتشغيلية".
- ورغم الأزمات المتتالية، قدم لبنان نموذجا للشمولية من خلال "بدل الإعاقة الوطني" الذي أطلقته "وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية واليونيسف، البرنامج بدأ في أبريل 2023، مستهدفا "الأشخاص ذوي الإعاقة المقيمين في لبنان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 28 عاما، ويقدم البدل 40 دولارا أمريكيا شهريا "لفترة أولية مدتها 12 شهرا، إلى جانب الإحالات إلى خدمات إضافية حسب الحاجات، الأهم أن البرنامج "شامل عبر المجتمعات، وليس حصريا للأشخاص ذوي الإعاقة اللبنانيين"، مما يوفر نقطة دخول لتوسيع البدل ليشمل اللاجئين ذوي الإعاقة.
- في تركيا، "دعمت منظمة العمل الدولية الحكومة في الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين"، "مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تحتفظ بجميع استفادات الحماية الاجتماعية (بما في ذلك التأمين الصحي الشامل) تحت سقف واحد، وسعت برنامج دعم الإضفاء الطابع الرسمي ليشمل اللاجئين بدعم من منظمة العمل الدولية".
ويكشف التقرير عن نطاق العمل الواسع: "دراسات الإدماج تم إجراؤها في أكثر من عشرة بلدان، مع التركيز على غرب ووسط أفريقيا بين عامي 2014 و2019، وسمحت بالإدماج الفعال للاجئين الحضريين في مخططات الحماية الصحية الاجتماعية الوطنية، ولفت إلى أن برنامج بروسبكتس يمثل "برنامج تعاون إنمائي متعدد السنوات تعمل من خلاله منظمة العمل الدولية مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واليونيسف ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي، مع التركيز على ثمانية بلدان في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي": مصر وإثيوبيا والعراق والأردن وكينيا ولبنان وأوغندا والسودان.
ويحدد التقرير، استنادا إلى "الاتفاقية رقم 102"، تسعة طوارئ يمكن أن يواجهها جميع الأفراد على مدار الحياة: "الحاجة للرعاية الطبية، والحاجة للاستفادات في حالة المرض والبطالة والشيخوخة وإصابة العمل والمسؤوليات الأسرية والأمومة والعجز والنجاة (عندما تؤدي وفاة عائل الأسرة إلى ترك المعالين وراءه)".
ورغم النجاحات المحققة، يحدد التقرير ثلاثة تحديات رئيسية تتطلب معالجة عاجلة لبناء الاستدامة وتعزيز القابلية للتوسع: أولها أزمة التمويل المستدام: رغم أن نهج منظمة العمل الدولية "أكثر فعالية من ناحية التكلفة من بناء قنوات موازية لتوفير الحماية الاجتماعية الطارئة"، إلا أن "توجيه أموال المانحين من خلال مخططات الحماية الاجتماعية يواصل طرح تحديات تشغيلية متعددة، والانتقال إلى التمويل المحلي غالبا ما يكون نقطة عالقة، وثانيا: ربط الحماية بسبل العيش، حيث أن جزء من استراتيجية الاستدامة لإدماج اللاجئين والنازحين قسريا الآخرين في أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية يتطلب بالضرورة نهجا أوسع لتأمين سبل العيش"، قدرة اللاجئين على "الوصول إلى فرص العمل/الأعمال المربحة وزيادة دخلهم تدعم إنشاء قدرات للمساهمة بأنفسهم في مخططات التأمين الاجتماعي والنظام الضريبي الأوسع".
وثالثا: الحاجة للمناصرة المستمرة،:"من الواضح أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لنسبة من اللاجئين والنازحين قسريا الآخرين من المحتمل أن يبقى ضعيفا حتى لو تحسن التنسيق من خلال تدخلات سبل العيش"، لذا يحتاج وصولهم إلى الحماية الصحية الاجتماعية غير المساهماتية والمساعدة الاجتماعية بشكل عام" إلى أن يكون "آمنا ومستداما".

Trending Plus