حرائق 2025.. أوروبا تحترق فى حلقة مفرغة مناخية بين الجفاف والانبعاثات.. إسبانيا والبرتغال الأكثر تضررًا.. الحرائق سببت انبعاث 38 مليون طن من الكربون.. والاقتصاد الأوروبى بين السياحة والزراعة فى مهب النيران

تشهد أوروبا في عام 2025 واحداً من أقسى مواسم الحرائق في تاريخها الحديث، حيث تحوّلت الغابات والسهول الممتدة من إسبانيا إلى اليونان إلى جبهات مشتعلة تلتهم البشر والحجر، وتكشف في الوقت نفسه هشاشة القارة أمام تحديات التغير المناخي. ومع تجاوز المساحات المحترقة حاجز المليون هكتار، فإن هذا العام يسجّل رقماً قياسياً جديداً، ليُصنف بالفعل كأسوأ عام للحرائق منذ بدء تسجيل البيانات.
كارثة ممتدة من إسبانيا إلى اليونان
بحسب بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات، بلغت المساحة المتفحمة حتى الآن 2,509,651 فداناً، متجاوزة الرقم القياسي المسجل عام 2017، وتتركز أكثر من 60% من الخسائر في إسبانيا والبرتغال ، حيث أنه في إسبانيا، التهمت النيران أكثر من 2.4 مليون فدان، وأسفرت عن مصرع 8 أشخاص وتشريد ما يزيد عن 35 ألفاً في شهر أغسطس فقط. كما لحقت أضرار جسيمة بحدائق وطنية مثل بيكوس دي يوروبا، وبمسارات تاريخية كـ"طريق سانتياجو"، فضلاً عن تدمير أشجار معمرة في لاس ميدولاس.
أما في البرتغال، فقد احترقت مساحات شاسعة بينها 64 ألف فدان في منتزه نهر دورو الطبيعي، في واحد من أسوأ الحرائق بتاريخ البلاد، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإجلاء مئات السكان، وفي اليونان، تجاوزت الخسائر 116 ألف فدان، وتم إجلاء 7,500 شخص، فيما سجلت دول مثل إيطاليا وألبانيا حرائق مدمرة بدرجات متفاوتة.
موجات حر تحوّل الطبيعة إلى "وقود"
ويربط العلماء مباشرة بين موجات الحر القياسية وبين الحرائق، ففي أغسطس، شهدت إسبانيا موجة حر غير مسبوقة استمرت 16 يوماً متواصلاً، وهي الأطول والأشد منذ بدء السجلات المناخية. ورغم أن الربيع كان ممطراً وغنياً بالنباتات، فإن ارتفاع الحرارة وجفاف يونيو ويوليو حوّلا الغطاء النباتي الكثيف إلى مادة قابلة للاشتعال السريع، ما جعل الحرائق تنتشر بوتيرة غير مسبوقة.
خسائر بشرية وبيئية وثقافية
لم تقتصر تداعيات الحرائق على الأرواح والممتلكات، بل امتدت لتشمل التراث والثقافة الأوروبية. فالنيران أحرقت أجزاء من طرق الحج التاريخية، وأشجار كستناء معمرة، وأتت على محميات طبيعية ذات قيمة بيئية عالية. وبذلك أصبحت الكارثة متعددة الأبعاد: إنسانية، اقتصادية، بيئية، وثقافية.
حلقة مفرغة: المناخ والحرائق والانبعاثات
وتسببت إلى جانب الخسائر المباشرة، الحرائق في انبعاث 38 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يجعلها جزءاً من حلقة مفرغة، ويزيد التغير المناخى من حدة الحرائق ، والحرائق بدورها تطلق المزيد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فتفاقم الظاهرة، وهذا التفاعل السلبي يجعل أوروبا في مواجهة أزمة مضاعفة، حيث لا تقتصر المخاطر على الحاضر، بل تهدد المستقبل أيضاً.
أوروبا بين الصدمة والتحرك السياسي
وفتحت الحرائق نقاشاً واسعاً داخل الاتحاد الأوروبي حول قصور السياسات الوقائية وضرورة إعادة النظر في استراتيجيات إدارة الغابات، و أحزاب في إسبانيا وألمانيا طالبت بزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة وتعزيز خطط التكيف مع المناخ، في المقابل، عبرت قطاعات زراعية واقتصادية عن مخاوف من أن تؤدي القوانين البيئية الأكثر صرامة إلى رفع التكاليف على المزارعين والصناعات.
كما طالبت منظمات بيئية مثل السلام الأخضر وWWF بإنشاء آلية أوروبية موحدة لمواجهة الكوارث المناخية، معتبرة أن الأزمات المتكررة أثبتت أن كل دولة بمفردها غير قادرة على مواجهة التحدي.
دروس من صيف ملتهب
وتعتبر حرائق 2025 ليست مجرد حدث استثنائي، بل مؤشر على مرحلة جديدة من تاريخ المناخ في أوروبا، فالقارة التي طالما اعتُبرت أكثر اعتدالاً من مناطق أخرى، تجد نفسها اليوم في قلب أزمة بيئية عالمية، حيث تتقاطع الحرائق والجفاف والفيضانات معاً.
ويرى خبراء المناخ أن أوروبا مطالبة بتسريع خطواتها نحو خفض الانبعاثات، وتطوير سياسات وقائية شاملة، تشمل، إعادة هيكلة إدارة الغابات، والتوسع في زراعة النباتات المقاومة للجفاف، وتعزيز البنية التحتية لمكافحة الكوارث، فمن دون هذه الإجراءات، قد يصبح صيف 2025 مجرد بداية لسلسلة صيفيات أكثر اشتعالاً في السنوات المقبلة.

Trending Plus