عيد النيروز.. الكنيسة القبطية تبدأ عاما جديدا بذكرى الشهداء.. عيد ديني وطني يجمع بين الهوية الفرعونية والقبطية والمصرية الحديثة.. توت أول شهور السنة يحمل اسم إله الحكمة.. والتقويم القبطى الأقدم فى التاريخ

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الحادي عشر من سبتمبر من كل عام بعيد النيروز، الذي يوافق رأس السنة القبطية الجديدة وبداية شهر «توت» أول شهور التقويم القبطي، المعروف تاريخيًا بـ"تقويم الشهداء".
ويعود أصل كلمة «نيروز» إلى الكلمة القبطية ني يارؤو بمعنى «الأنهار»، إذ ارتبطت المناسبة بفيضان نهر النيل، مصدر الحياة في مصر القديمة. ومع دخول اليونانيين أضيفت بعض التحريفات اللغوية التي جعلت العرب يظنون أن «النيروز» فارسية الأصل.
غير أن المصريين القدماء حافظوا على احتفالهم به باعتباره بداية السنة الزراعية الجديدة، كما ارتبط بذكرى الشهداء في العصر المسيحي، وخاصة في فترة حكم الإمبراطور دقلديانوس (284 م) التي شهدت اضطهادًا دمويًا للمسيحيين، فصار يُعرف بـ"عيد الشهداء".
ويحمل الشهر الأول «توت» اسم العلامة المصري القديم تحوت، إله المعرفة والحكمة، الذي وضع أسس التقويم المصري منذ عام 4241 ق.م، وهو أقدم تقويم عرفه التاريخ. وقد اعتمد المصريون في حسابه على نجم «الشعري اليمانية» وربطوه بدورة الفيضان والفصول الزراعية الثلاثة: الفيضان، والبذار، والحصاد.
ويقول المؤرخون إن دماء الشهداء الذين واجهوا اضطهاد دقلديانوس كانت بذارًا للكنيسة، ولذلك ارتبطت بداية السنة القبطية بذكراهم، وصارت الكنيسة القبطية تُعرف عالميًا بـ«كنيسة الشهداء». وما زال الأقباط حتى اليوم يحيون هذه الذكرى بالصلوات والقداسات، فيما يُعرف شعبيًا بـ«طلعة النيروز» لزيارة مقابر الشهداء وتكريم ذكراهم.
ويؤكد الباحثون أن عيد النيروز ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو أيضًا عيد وطني متجذر في الحضارة المصرية، إذ يجمع بين الهوية الفرعونية والقبطية والمصرية الحديثة، ويذكر بأهمية النيل كمصدر حياة، وبقيمة الشهادة والإيمان كجزء من تراث الكنيسة.
جدير بالذكر أن السنة القبطية تتكون من اثني عشر شهرًا أساسيًا، يعقبها شهر صغير يُعرف باسم «النسيء» يضم خمسة أيام، ويصبح ستة في السنوات الكبيسة. والشهور بالترتيب هي: توت، بابة، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، ومسرى، ثم النسيء في نهاية العام.
يبدأ شهر توت عادةً في الحادي عشر من سبتمبر، ويليه بابة في 11 أكتوبر، ثم هاتور في 11 نوفمبر، وكيهك في 10 ديسمبر، وطوبة في 9 يناير، وأمشير في 8 فبراير، وبرمهات في 10 مارس، وبرمودة في 9 أبريل، وبشنس في 9 مايو، وبؤونة في 8 يونيو، وأبيب في 8 يوليو، وأخيرًا مسرى في 7 أغسطس.
وقد احتفظت هذه الشهور بأسمائها الفرعونية حتى اليوم، كما ارتبطت بالأمثال الشعبية المصرية، واستُخدمت لقرون طويلة في تحديد المواسم الزراعية، لتبقى شاهدة على عمق امتداد التقويم المصري القديم في الحياة اليومية.

Trending Plus