قانون الأحوال الشخصية للأقباط.. محاولات الحسم والعدالة المعلّقة فى ملف عمره عقود.. الطلاق والزواج الثانى القضية الأكثر جدلًا.. ومسيحيون يطالبون بسرعة الإنجاز وحسم قضايا التبنى والنفقة وحضانة الأطفال

يستمر الجدل داخل الأوساط الكنسية بشكل كبير حول مشروع قانون الأحوال الشخصية للأقباط، الذي لا يزال قيد المناقشات، ورغم سنوات طويلة من النقاشات والصياغات ومحاولات التوفيق بين العقيدة والواقع المجتمعي، وبين آمال الحل ومخاوف الجمود، يقف آلاف الأقباط المنتظرين لحسم قضاياهم الشخصية بين الطلاق والزواج والتبنّي والنفقة وغيرها.
أمل متجدد فى الصيغة النهائية
وذكرت مصادر كنسية لليوم السابع، أن العام الجاري شهد تقدمًا ملموسًا في صياغة مسودة نهائية موحدة لقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، بعد سلسلة طويلة من الاجتماعات بين ممثلي الكنائس الثلاث (الأرثوذكسية، الإنجيلية، الكاثوليكية والروم الأرثوذكس والأسقفية) ووزارة العدل. وتم الاتفاق على أكثر من 90% من البنود، مع تحفظات محدودة لدى بعض الطوائف حول مواد بعينها تخص حالات الطلاق وإعادة الزواج.
ويتميز المشروع الجديد بأنه مستمد من "المرجعية الدينية" لكل طائفة، وهى خطوة يعتبرها البعض تقدمًا لاحترام الخصوصية العقائدية، بينما يراها آخرون تكريسًا للتمييز القانوني بين المواطنين بناءً على الدين.
الطلاق.. القضية الأكثر جدلًا
ولا تزال قضايا الطلاق وإعادة الزواج تحتل المركز الأول في الملفات الشائكة التي تواجه القانون الجديد. ففي الكنيسة الأرثوذكسية، يُعتبر الزواج سرًا مقدسًا لا يُفك إلا بالموت أو لعلة الزنا أو تغيير الملة، وهو ما يُقيّد كثيرًا من الراغبين في الطلاق لأسباب إنسانية أو اجتماعية.
وبرغم وجود مادة تسمح "بالتطليق المدني" لغير المؤمنين بالعقيدة الأرثوذكسية، أو المنتمين لطوائف أخرى، إلا أن الجدل لا يزال قائمًا حول مدى تطبيق هذا النص وفاعليته على الأرض، خاصة في ظل غياب محاكم كنسية متخصصة أو آلية تنفيذ واضحة.
وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من عشرات الألاف من قضايا الطلاق معلّقة حاليًا أمام المحاكم، لأقباط ينتظرون حكمًا يتيح لهم بدء حياة جديدة، في ظل معاناة نفسية واجتماعية مضنية.

صورة مولدة بالذكاء الإصطناعى معبرة عن الطلاق والخلافات الزوجية
الزواج الثاني.. بين العقيدة والواقع
ومن القضايا الأخرى التي لم تُحسم بعد، موضوع الزواج الثاني. فبينما تسمح الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية بحالات محددة لإعادة الزواج، فإن الكنيسة الأرثوذكسية تشترط وجود حكم بالزنا كسبب وحيد يتيح ذلك.
وهنا يظهر التحدي الأكبر: هل يفرض القانون المدني مبدأ "الحق في الزواج"؟ أم يُبقي الأمر مرهونًا بالسلطة الدينية والعقيدة؟ وقد حاول المشروع الجديد أن يحسم هذه النقطة بإقرار مبدأ "الاختيار الطوعى للعقيدة" واعتبار "العقيدة الشخصية المُعلنة" هي مرجعية الحكم في قضايا الأحوال الشخصية.

الزواج الثانى صورة مولدة بالذكاء الإصطناعى
التبني والنفقة وحضانة الأطفال
وفيما يخص التبني، فتباينت مواقف الطوائف أيضًا، فبعض الكنائس تميل للاعتراف بالتبني كفعل إنساني واجتماعي، بينما تتحفظ عليه كنائس أخرى، وتُفضل نظام الكفالة، وفقًا لتقاليد الكنيسة وتعاليم الآباء.
وفيما يتعلق بالنفقة والحضانة، تم التوافق على قواعد موحدة نسبيًا، مع مراعاة مصلحة الطفل باعتبارها المعيار الأعلى، وهو ما لقي ترحيبًا واسعًا من الجمعيات الحقوقية والمهتمين بشؤون الأسرة.

صورة مولدة بالذكاء الإصطناعى عن التبنى
الدولة بين الحياد والمشاركة
ومن اللافت أن وزارة العدل المصرية لعبت هذا العام دورًا نشطًا في دفع الحوار الكنسي-القانوني، حرصًا على إصدار قانون يحظى بإجماع نسبي ويضمن تطبيقًا سلسًا أمام المحاكم.
وأكد مسؤولون بالوزارة أن الهدف هو إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين يضمن العدالة ويحترم الخصوصيات الدينية، دون أن يتعارض مع الدستور المصري الذي يكفل المساواة وحرية المعتقد.
ردود فعل الأقباط.. بين الأمل والإحباط
وفي الشارع القبطي، تباينت ردود الفعل. فهناك من يرى أن القانون المنتظر هو طوق النجاة بعد سنوات من المعاناة أمام المحاكم والكنائس، خاصة للمطلقين الذين حُرموا من الزواج مجددًا.
ولكن آخرين يبدون تخوفهم من أن يتحوّل المشروع إلى مزيد من الانقسامات العقائدية أو الحسابات المجتمعية، كما حدث في مرات سابقة.
ضرورة سياسية وإنسانية
ويبقى قانون الأحوال الشخصية للأقباط ضرورة لا تحتمل مزيدًا من التأجيل، وفق ما يراه عدد كبير من المسيحيين فهو لا يمس فقط حياة آلاف الأسر، بل يعكس مدى التزام الدولة المصرية بمبادئ المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، وإنجاز هذا القانون سيكون خطوة نحو العدالة الاجتماعية والدينية، ويبعث برسالة واضحة بأن الوطن يتسع للجميع، دون تمييز أو إقصاء.

Trending Plus