عيد النيروز.. بداية العام القبطى وعلاقته بالحضارة الفرعونية.. يرتبط بذكرى الشهداء فى عصور الاضطهاد.. البلح والجوافة أبرز أطعمة العيد.. وتزيين الكنائس بالورود الحمراءوالبيضاء أهم الطقوس

يُعد عيد النيروز بداية السنة القبطية الجديدة، وهو العيد الذى يوافق الأول من شهر توت، أول شهور التقويم القبطي، ويُعرف هذا التقويم باسم "تقويم الشهداء"، حيث ارتبط بعام 284 ميلادية، وهو العام الذي اعتلى فيه الإمبراطور دقلديانوس الحكم، وبدأت في عهده أقسى موجات الاضطهاد ضد المسيحيين، فامتلأت الكنيسة بدماء الشهداء الذين ضحوا بإيمانهم.
لكن جذور التقويم القبطي أعمق بكثير، إذ تعود إلى الحضارة المصرية القديمة، حين اعتمد المصريون على تقويم زراعي مرتبط بدورة فيضان النيل. فقد قسّم المصري القديم العام إلى ثلاثة فصول: الفيضان، والبذار، والحصاد، وجعل لكل فصل أربعة أشهر، ليصبح العام 12 شهرًا، كل شهر 30 يومًا، مع إضافة خمسة أيام تُعرف بـ"النسيء". هذا النظام ظل مستخدمًا لآلاف السنين، حتى تبنته الكنيسة ليصبح تقويمها الرسمي، محتفظة بهويتها المصرية الأصيلة.
متى بدأ الاحتفال بعيد النيروز ؟
وبدأ الأقباط الاحتفال بعيد النيروز منذ القرون الأولى للمسيحية، كعيد روحي لتذكار الشهداء ودمائهم الطاهرة. ومع مرور الزمن، أصبح العيد مناسبة تجمع بين البعد التاريخي والروحي والاجتماعي. ففي حين أنه يمثل بداية العام الزراعي المصري، فإنه أيضًا بداية عام روحي جديد للكنيسة، حيث يجدد المؤمنون عهدهم مع الله.
ويُحتفل بعيد النيروز فى 11 سبتمبر من كل عام، فى السنة القبطية الكبيسة، عندما يأتى يوم "النسيء" السادس، وارتبط الاحتفال في وجدان الأقباط بالفرح الروحي والصلوات الخاصة وأيضًا بالعادات الشعبية البسيطة.
طقوس وقداسات العيد
وتبدأ احتفالات الكنيسة بعيد النيروز من مساء اليوم السابق، حيث تُرفع صلوات عشية العيد في الكنائس، ويُزين الهيكل بالورود الحمراء والبيضاء، وفي صباح يوم العيد، تُقام القداسات الإلهية التي تُتلى فيها قراءات خاصة من الكتاب المقدس، تركز على الشهداء والثبات في الإيمان، كما تحدث الأب دوماديوس كاهن كنيسة مارمرقس بأسوان فى تصريحات خاصة لليوم السابع.
وتُتلى ألحان النيروز، وهي ألحان مميزة في طابعها الموسيقي والروحي، تبدأ بترتيلة "إبؤورو" أي "يا ملك السلام"، كطلبة من أجل بداية عام يحمل الطمأنينة والسلام. وتُشارك جموع الشعب القبطي في هذه الصلوات، التي تمتد أحيانًا لساعات، وسط أجواء روحية مميزة.
رمزية الألوان والزهور في الكنيسة
ويحرص الأقباط على تزيين الكنائس في عيد النيروز بالزهور الحمراء، رمزًا لدماء الشهداء، والزهور البيضاء، دلالة على نقاوة قلوبهم وإيمانهم. هذا التقليد الروحي يحمل رسالة بصرية قوية، إذ يربط بين دماء الشهداء الطاهرة وصفاء إيمانهم. وتُضاف أحيانًا ثمار البلح والجوافة إلى مائدة الكنيسة، كجزء من الطقس الشعبي المصاحب للاحتفال.
أطعمة عيد النيروز.. رموز في طبق الفاكهة
يرتبط العيد أيضًا بعادات غذائية ذات مغزى رمزي عميق:
البلح الأحمر: يرمز من الخارج إلى دماء الشهداء، بينما يشير قلبه الأبيض إلى نقاء قلوبهم وصفاء نواياهم.
الجوافة: لونها الأبيض يمثل الطهارة، وبذورها الكثيرة تعكس كثرة عدد الشهداء الذين رووا أرض مصر بدمائهم.
ولذلك يحرص الأقباط في صباح يوم العيد على تناول البلح والجوافة، ليس بوصفها عادة غذائية فقط، بل كتذكار حي لمعاني العيد.
أبرز مظاهر الاحتفال الكنسي
إلى جانب القداسات، تتعدد مظاهر الاحتفال بعيد النيروز داخل الكنائس:
إقامة اللقاءات الروحية التي يقدم فيها الآباء الكهنة عظات حول معاني العيد.
ترديد ألحان النيروز والصلوات الخاصة بطلب السلام لمصر والعالم.
تنظيم أنشطة رعوية واجتماعية، حيث تُعتبر المناسبة فرصة لتعزيز الروابط بين أبناء الكنيسة.
أعمال خيرية في بعض الإيبارشيات، كتوزيع مساعدات للأسر البسيطة، باعتبار العيد مناسبة للرحمة والعطاء.
كما يشارك في الاحتفال آباء الكنيسة والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي يوجه كلمة روحية سنوية بالمناسبة.
الشهداء العظام.. أيقونات النيروز
ويرتبط عيد النيروز بذكرى الشهداء الذين ثبتوا على الإيمان في عصور الاضطهاد، ومن أبرزهم:
الشهيد مارجرجس الروماني، المعروف بشجاعته وثباته.
القديسة دميانة وشهداء البرارى الذين استشهدوا دفاعًا عن إيمانهم.
الشهيد أبو سيفين مرقوريوس الذى لقب بـ"المحارب".
الشهيد فيلوباتير مرقوريوس وغيرهم من مئات الآلاف الذين خلدتهم كتب التاريخ الكنسي.
وتعتبر الكنيسة هؤلاء الشهداء أساسًا لإيمانها ورمزًا للصمود، وتُرفع صلوات خاصة لأجل تذكارهم في العيد.
النيروز في المهجر.. امتداد للهوية
لا يقتصر الاحتفال على مصر فقط، بل يمتد إلى الكنائس القبطية في دول المهجر بأوروبا وأمريكا وأستراليا. ففي هذه الكنائس، تُقام قداسات بنفس الطقوس، ويُحرص على ترديد الألحان القبطية القديمة، لتبقى الهوية القبطية راسخة رغم البُعد الجغرافي. كما تُنظم الأنشطة الثقافية التي تعرف الأجيال الجديدة على معنى النيروز وأهميته في التاريخ الكنسي.
رسالة العيد.. بداية جديدة بالرجاء
يحمل عيد النيروز رسالة مزدوجة، فهو بداية للتقويم القبطي والزراعي، وبداية عام روحي جديد للكنيسة. وبينما يتذكر الأقباط دماء الشهداء، فإنهم يجدون في العيد أيضًا رسالة رجاء وتجديد. فكما يبدأ فيضان النيل حياة جديدة للأرض، يبدأ النيروز حياة جديدة للمؤمن، يدعو فيها الله أن يكون العام الجديد عامًا للخير والبركة لمصر والعالم.
إنه عيد الفرح والرجاء، حيث يجتمع الأقباط حول قداساتهم وصلواتهم، مؤكدين أن دماء الشهداء لم تذهب هباءً، بل صارت أساسًا لإيمان باقٍ عبر العصور.

Trending Plus