"الزراعة" تواصل ضخ الأسمدة للمزارعين.. 900 ألف طن تغطى 80% من احتياجات الموسم الصيفى.. ومنظومة محكمة للرقابة على الصرف ومنع التلاعب.. وكارت الفلاح لضمان وصول الدعم للمستحقين.. واستمرار الصرف حتى نهاية سبتمبر

يظل ملف الأسمدة الزراعية أحد أهم الملفات الحيوية المرتبطة مباشرة بمستقبل الأمن الغذائى فى مصر، حيث تتوقف عليه قدرة المزارعين على تحقيق إنتاج وفير ومستدام من المحاصيل الاستراتيجية، وفى ظل التحديات الاقتصادية والبيئية المتزايدة، تواصل وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى جهودها لتأمين احتياجات الفلاحين من الأسمدة المدعمة، وضمان وصولها للمستحقين بعيدًا عن أى تلاعب أو ممارسات احتكارية.
وفى هذا السياق، يتابع علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، أعمال ضخ وتوزيع الأسمدة على مستوى الجمهورية، ضمن خطة محكمة تستهدف تغطية 100% من احتياجات الموسم الزراعى الصيفى بحلول نهاية سبتمبر الجارى.
18 مليون شيكارة تغطى 80% من الاحتياجات
تلقى وزير الزراعة تقريرًا مفصلًا من الدكتور أنور عيسى، رئيس الإدارة المركزية لشؤون المديريات بقطاع الخدمات الزراعية والمتابعة بالوزارة، أوضح فيه أن إجمالى ما تم ضخه بالجمعيات الزراعية حتى الآن بلغ نحو 18 مليون شيكارة أسمدة، أى ما يعادل 900 ألف طن، هذا الرقم يمثل حوالى 80% من الاحتياجات المقررة للموسم الصيفى، وهو مؤشر إيجابى على قدرة المنظومة الحالية على تلبية الطلب المرتفع، خاصة مع تزايد الضغوط على مدخلات الإنتاج الزراعى عالميًا نتيجة الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية.
المتابعة اليومية وضمان التغطية الكاملة
من جهته، شدد وزير الزراعة علاء فاروق على استمرار عمليات ضخ وصرف الأسمدة حتى نهاية شهر سبتمبر، بما يضمن التغطية الكاملة لاحتياجات المزارعين، مشيرًا إلى أن الأولوية القصوى تتمثل فى إزالة أى عقبات تواجه الفلاحين فى الحصول على مستلزماتهم، مع متابعة موقف التوافر فى الجمعيات الزراعية والمنافذ المختلفة على مدار الساعة.
كما أشار إلى وجود تنسيق مستمر مع الأجهزة الرقابية والجهات المعنية لضمان سلاسة عمليات النقل والتوزيع، ومنع أى تلاعب فى الأسعار أو تسريب للأسمدة خارج المنظومة الرسمية.
منظومة رقابية محكمة ومنع التلاعب
أكد فاروق التزام الوزارة بتطبيق منظومة صرف ورقابة محكمة، تشمل متابعة ميدانية مستمرة على الأرض، للتأكد من عدالة التوزيع ومنع أى تلاعب، وتقوم الوزارة بتفعيل آليات دقيقة للرقابة تضمن وصول الأسمدة إلى المزارعين المستحقين فعليًا، بعيدًا عن الوسطاء والسماسرة الذين كانوا فى الماضى سببًا فى أزمات نقص وارتفاع أسعار الأسمدة، فى إطار حرص الدولة على دعم الفلاح المصرى وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة، بما يسهم فى زيادة الإنتاجية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائى الوطني.
برامج شحن وجدولة زمنية دقيقة
وأوضح وزير الزراعة أن هناك برامج شحن للأسمدة يتم إعدادها من الجمعيات الزراعية بالمحافظات وفقًا للاحتياجات الفعلية، مع تحديد توقيتات زمنية دقيقة للتنفيذ على مدار الموسم الزراعى، هذا النظام يتيح مرونة فى التوزيع ويمنع التكدس أو العجز فى بعض المناطق.
كما تلزم الوزارة الجمعيات الزراعية بوضع لافتات واضحة تتضمن المقررات السمادية المقررة لكل مزارع ومواعيد الصرف، لضمان الشفافية وإطلاع المزارعين على حقوقهم بشكل معلن.
"كارت الفلاح".. أداة لضبط المنظومة
وشدد الوزير على أنه لا يتم صرف أى أسمدة مدعمة خارج إطار منظومة "كارت الفلاح"، والذى يعد أداة محورية فى ضبط عمليات الصرف وحصر المستحقين بدقة، ويسمح هذا النظام بربط صرف الأسمدة بالمساحات الفعلية المزروعة والمسجلة فى الجمعيات الزراعية، بما يمنع التلاعب فى البيانات ويضمن وصول الدعم لمن يستحقونه فقط، وتعد هذه الخطوة نقلة نوعية فى حوكمة ملف الدعم الزراعى وربطه بالتحول الرقمي.
وفى مواجهة الشكاوى المتكررة التى تثار فى بعض الأوساط الزراعية بشأن فرض رسوم إضافية أو ربط صرف الأسمدة بشراء مستلزمات أخرى، أكد فاروق بشكل قاطع أنه "لا توجد أى عمولات أو مبالغ مالية إضافية يتم فرضها على سعر شيكارة الأسمدة المدعمة من قبل الدولة، حيث يتم توفيرها بالسعر الرسمى المحدد، أو ربط لصرف الأسمدة، بشراء أية مستلزمات انتاج أخرى من الجمعيات الزراعية"، وأن أى محاولة لمخالفة هذه القواعد يتم التعامل معها بحزم عبر الأجهزة الرقابية.
وأضاف الوزير، أن الوزارة تمتلك عدة آليات لحوكمة تداول الأسمدة المدعمة، من أبرزها المنظومة الموحدة لمراقبة عمليات نقل الأسمدة من مصانع الإنتاج إلى الجمعيات الزراعية، حيث تخرج الشحنة من المصنع باستخدام كارت ممغنط، ولا يتم تسليمها إلا عند وصولها إلى الجمعيات الزراعية، كما يتم مراقبة أعمال التوزيع من خلال "كارت الفلاح" لضمان صرف الحصص للمزارعين المستحقين فقط.
وأشار فاروق، إلى أن هذه الإجراءات تشكل منظومة حوكمة متكاملة تشمل جميع مراحل تداول الأسمدة المدعمة، بدءًا من سيارات النقل مرورًا بخطط الإنتاج والشحن للجمعيات، وصولًا إلى المزارعين، وتهدف هذه المنظومة إلى تمكين الفلاحين من الحصول على الحصص المقررة من المقننات السمادية وفقًا لنوع المحصول، وبما يتماشى مع جدول زمنى محدد يمنع تكدس الأسمدة، ويضمن وصولها فى التوقيتات المناسبة لزراعة المحاصيل.
لا يخفى أن الأسمدة تشكل العمود الفقرى للمنظومة الزراعية، إذ تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل وجودتها، وتشير دراسات حديثة إلى أن استخدام الأسمدة المتوازنة يمكن أن يرفع إنتاجية الحبوب بنسبة تتراوح بين 30% و50%. ومن ثم فإن توفير هذه المادة الحيوية بأسعار مناسبة يعنى بالضرورة حماية الأسواق المحلية من موجات الغلاء وضمان استقرار سلاسل الإمداد الغذائي.
الدعم الحكومى ودوره فى الإنتاجية
ارتبطت قضية الدعم الزراعى فى مصر تاريخيًا بملف الأسمدة، حيث تعتبر من أهم البنود التى ترصد لها الدولة مخصصات مالية ضخمة. فغياب الدعم أو تأخره ينعكس مباشرة على الفلاح، الذى قد يضطر للجوء إلى السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وفى المقابل، فإن انتظام الدعم يمنح المزارع ثقة أكبر فى توسيع الرقعة الزراعية وتحسين جودة المحاصيل، وهو ما ينعكس بدوره على الأمن الغذائى القومي.
شهدت مصر على مدار العقود الماضية أزمات متكررة فى ملف الأسمدة، كان أبرزها فى مواسم الجفاف أو عند ارتفاع أسعار الغاز عالميًا باعتباره المادة الخام الأساسية فى صناعة الأسمدة الأزوتية، هذه الأزمات دفعت الدولة إلى البحث عن حلول أكثر استدامة، أبرزها تشديد الرقابة وربط الصرف بمنظومات رقمية مثل "كارت الفلاح"، فضلًا عن التوسع فى إنشاء مصانع أسمدة جديدة لزيادة الطاقة الإنتاجية.
إذا ما قورن الوضع المصرى بدول نامية أخرى، نجد أن الهند مثلًا تطبق منظومة دعم مشابهة للأسمدة، لكنها تعتمد بشكل أكبر على التحويلات النقدية المباشرة للمزارعين، مع رقمنة ملف التوزيع بالكامل، أما فى المغرب، فقد لجأت الحكومة إلى التوسع فى إنتاج الأسمدة الفوسفاتية محليًا لتلبية الطلب الداخلى وتصدير الفائض، هذه التجارب تقدم دروسًا يمكن الاستفادة منها فى تعزيز منظومة الحوكمة وزيادة الإنتاج المحلى من الأسمدة.
على الأرض، يرى كثير من المزارعين أن جهود الوزارة الأخيرة ساعدت فى تقليل معاناة الحصول على الأسمدة، إلا أنهم يطالبون بمزيد من التيسيرات فى الجمعيات الزراعية وتقليص البيروقراطية، بعضهم يشير إلى أن المنظومة الجديدة عبر "كارت الفلاح" ساهمت فى ضبط التوزيع، لكنها تحتاج إلى حملات توعية أوسع حتى يدرك كل مزارع أهميتها، خاصة فى القرى النائية.
لا يقتصر دور الرقمنة على ملف الأسمدة فقط، بل يمكن أن يمتد ليشمل إدارة الموارد المائية وتوزيع التقاوى ومتابعة المساحات المزروعة عبر صور الأقمار الصناعية، وإذا نجحت الدولة فى استكمال هذا التحول الرقمى الشامل، فسيكون بمقدورها القضاء على معظم أوجه التلاعب والفساد الإدارى التى عانى منها القطاع لعقود طويلة.
تأمين الأسمدة لا يخدم فقط المزارعين، بل يحمى الاقتصاد الوطنى ككل، فكل زيادة فى الإنتاج الزراعى تعنى تقليل فاتورة الاستيراد من الخارج وتوفير العملة الصعبة، كما أن انتظام إمدادات الأسمدة يسهم فى استقرار أسعار السلع الغذائية فى الأسواق المحلية، وهو ما يخفف من الضغوط التضخمية ويعزز من قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم المعيشية.
يبقى ملف الأسمدة الزراعية أحد أعمدة الأمن الغذائى، ومقياسًا لمدى قدرة الدولة على دعم الفلاح وتمكينه من مواصلة دوره الحيوى فى تلبية احتياجات السوق المحلى، ومع الجهود التى يقودها وزير الزراعة علاء فاروق لضمان وصول 100% من المقررات السمادية للمزارعين بحلول نهاية سبتمبر، فإن الأمل قائم فى تجاوز أزمات الماضى، وفتح الطريق أمام مواسم زراعيى ناجح تحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وتعزز من قدرة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية والغذائية.

Trending Plus