فى ذكرى ميلادها.. تفاصيل رحلة رجاء الجداوى إلى طوكيو عام 1962.. ملكة القطن المصري خطفت قلوب اليابانيات بـ "الملاية اللف".. قدمت عرض أزياء في طائرة.. وشاركت بعرض منسوجات شركة "سباهي" أمام جمال عبد الناصر

تظل الفنانة الكبيرة الراحلة رجاء الجداوي، واحدة من أفضل النجمات والممثلات اللائي قدمن للفن المصري الكثير والكثير، إذ كانت تتمتع بقدرة على خطف القلوب بمجرد اطلالتها على الشاشة، بل أن عطاءها استمر لعشرات السنين، سواء في شبابها، أو حتى بعد تقدمها في السن، حيث كانت "رقم صعب" الأفلام المصرية الشبابية، وكذلك الدراما التليفزيونية، ووجودها كان يعطى للعمل الفني ثقلا، يُساهم في نجاحه.
ربما هذه السطور، لا تكفى لإعطاء الفنانة الكبيرة رجاء الجداوي حقها، كنجمة كبيرة في سماء الفن المصري، لكنها محاولة لاستكشاف الجانب الآخر من حياة رجاء الجداوي، أو بالأحرى، الحياة الأولى لها في عالم الشهرة والفن، وهو وجه عارضة الأزياء، التي تسللت منه إلى التمثيل ومنه إلى النجومية.
البداية كانت مع خالتها الفنانة الكبيرة الراحلة، تحية كاريوكا، حيث تربت رجاء في تلك الفترة على يد مربية إيطالية، تعلمت منها اللغة الايطالية، بعدها قررت رجاء أن تتخلى عن نمط حياتها الباذخ، للوقوف إلى جانب والدتها في أزمتها الاقتصادية، ثم عملت في قسم الترجمة بإحدى الشركات الإعلانية، ثم أصبحت عارضة أزياء.
في عام 1962، توجهت رجاء الجداوى إلى رحلة أسيوية وتحديدا طوكيو، بصفتها ملكة القطن المصري، وبرفقتها عارضتي أزياء تاتا زكى وشنتال، وبعثة من التليفزيون العربي، الذى كان قد مر على انشاءه عامين فقط.
مجلة آخر ساعة رافقت البعثة المصرية التي طارت على متن أول طائرة عربية تقوم برحلتها على الخط الحديد الى طوكيو، حيث يقول الكاتب الصحفى جلال دويدار، الذى كان مرافقا للبعثة: "كان فى الطائرة 3 عارضات مصريات ومجموعة من أثواب القطن المصرى التى عملت بأيدى مصرية وهذه قصة رحلة قطننا إلى الشرق الأقصى"
مجلة آخر ساعة في طوكيو
ويروى: "كانت الطائرة تحمل أكثر من 40 راكبا بينهم 3 من عارضات الازياء المصريات تاتا وشنتال ورجاء.. وبعد 5 ساعات تناولنا خلالها طعام العشاء وصلت الطائرة الى مطار کردنشی.. وعندما غادرت عارضات الازياء الثلاث والركاب الطائرة فوجئوا بتيار ساخن يستقبلهم، أسرعوا الى الهرب داخل المطعم الموجود فى المطار ولكن درجة الرطوبة العالية جعلت الجو خانقا واكتشفت تاتا أثناء تجولها داخل المطار وجود محل تجارى مكيف الهواء أسرعت اليه شنتال ورجاء ومعهما نادية الخادم المشرفة على المرأة فى التليفزيون ومنظمة الرحلة، ومديحة كمال وعنايت عبد الرحمن من التليفزيون العربى".
ويكمل دويدار قصته مع البعثة قائلا: "تظاهرن عضوات البعثة برغبتهن فى الشراء حتى يستطعن البقاء فى هذا الجو المكيف، إلى أن أعلن عن قيام الطائرة فى طريقها الی بسیای.. وعندما أخذ الجميع أماكنهم داخل الطائرة أعلن كابتن الطائرة وجود ضباب يمنع الطائرة من القيام وبعد نصف ساعة قضينها داخل الطائرة انقشع الضباب ودارت المحركات، اخذنا تحلق على ارتفاع 34 ألف قدم".

رجاء الجداوي قبل تحسين جودة بالذكاء الاصطناعي
ممنوع فى مطار بمباي
وبعد ساعة ونصف ساعة من الطيران تناولنا خلالها طعام الافطار وصلت الطائرة الى مطار بومباي، وقامت بعض الفتيات الهنديات بوضع باقات الزهور حول أعناق عارضات الأزياء وصعد الركاب بعد ذلك ومن بينهم عارضات الأزياء وبعثة التليفزيون الى المطعم فى الدور الثانى ولما كان الجو خانقا بسبب الرطوبة وارتفاع درجة الحرارة فكروا فى العودة إلى الطائرة حتى يتم إقلاعها وفوجئوا يضباط الجوازات الهنود يمنعونهم من مغادرة المطعم، قالوا لهم : ان الترانزيت لا يمكنهم من مغادرة المطعم حتى يعلن عن قيام الطائرة.. ولكن عارضات الازياء الثلاث اغتنمن فرصة انشغال ضباط الجوازات بوصول احدى الطائرات وأسرعن الى الهرب من السجن الى أرض المطار وتبعهن باقى الركاب".
رجاء تداعب احدى اليابانيات
تناولت رجاء الجداوى برشامة منومة حتى لتمكن من النوم خلال الساعات الأربع التى ستتم خلالها الرحلة بين بسياى و بانكوك، وقبل أن يتغلب النوم على عارضات الازياء الثلاث طلبت منهن نادية الخادم تقديم عرض سريع للأزياء داخل الطائرة، ولأول مرة يتم تنفيذ هذه الفكرة داخل طائرة تحلق على ارتفاع 34 ألف قدم، قدمت رجاء وتاتا وشنتال مجموعة من الازياء للركاب، كن يقمن بتغير الفساتين داخل حمامات الطائرة، وبمجرد انتهاء هذا العرض ساد السكون الطائرة وراح معظم الركاب فى نوم عميق.
رجاء مع احدى المعجبات
وعندما هبطت الطائرة فى بانكوك كانت آثار البرشامة المنومة التى أخذتها، رجاء مازالت موجودة كانت تريد البقاء نائمة ولكن شنتال وتاتا استطعن ايقاظها للنزول من الطائرة، وكان فى استقبال بعثة التليفزيون وعارضات الازياء مجموعة من المسئولين فى السفارة العربية.
وفى بوفيه مطار بانكوك جلست رجاء تتبادل الاعجاب مع ضيفة من تايلاند، كانت عارضة الأزياء المصرية معجبة جدا بعينى المضيفة التايلاندية، قالت : انها تشبه القطة، وبعد 10 دقائق فى بانكوك تحركت الطائرة مرة أخرى فى طريقها الى هونج كونج".
فوق سحاب هونج كونج
وفى الساعة الثامنة مساء بتوقيت طوكيو بدأت الطائرة تحلق فوق هونج كونج، لم نشاهد سوى قطعة من الأضواء الساطعة منتشرة فى مساحة كبيرة بألوان مختلفة، وعندما بدأت الطائرة تقترب من الأرض شاهدنا حركة السير عادية فى شوارع هذه المدينة كما شاهدنا البيوت العالمية الموجودة على شواطيء هونج كونج.
فى هونج كونج سار موكب عارضات الأزياء إلى مبنى المطار وعلى طول الطريق الى المبنى وقف أكثر من 200 طفل وطفلة من أبناء هونج كونج لتحية ركاب الطائرة و عارضات الأزياء المصريات وبعثة التليفزيون، كانوا يلوحون لهم بأعلام الجمهورية العربية المتحدة و داخل مطعم المطار عقدت عدة مؤتمرات صحفية النادية الخادم وعارضات الازياء والتقطت لهن عشرات الصور.
في الصباح أعلن الميكرفون أن الطائرة ستهبط فى مطار طوكيو بعد دقائق، فاستعد الركاب وهبطت الطائرة العربية بعد 10 دقائق.
غلاف المجلة
مظاهرة فى المطار
وعند سلم الطائرة وقف عشرات من مصورى الصحافة والتليفزيون والسينما وقد سلطوا أضواءهم على باب الطائرة، وعندما هبطت نادية الخادم وعارضات الأزياء تقدمت إليهن فتاتان يابانیتان بالملابس الوطنية وقدمنا اليهن باقات الزهور.
حكاية الباب الاتوماتيكي
وفى الساعة الثالثة صباحا توجهت عارضات الأزياء إلى الفندق وأمام باب الفندق صرخت رجاء الجداوى وأسرعت إلى زميلاتها اللاتى كن قرب سيارة الشركة، وكانت فى حالة رعب شديد سألوها عما حدث فقالت، إن باب الفندق فتح وحده دون أن تلمسه عندما اقتربت منه، وضحك الجميع وأسرعوا معها إلى الباب فأصابهم ما أصابها من الرعب، ولإنقاذ الموقف قام مندوب شركة الطيران العربية يشرح المسألة لهن، قال: إن أبواب الفنادق الكبيرة تعمل أوتوماتيكيا بجهاز يحركها عندما يسير عليه أى شخص وهو مركب قبل الباب بخطوات، وبعد عملية الشرح تمالكن أنفسهن وغرقن فى موجة من الضحك.
وفى الساعة الواحدة من ظهر نفس اليوم اقامت شركة الطيران العربية حفل دعت اليه أكثر من 400 شخص بمناسبة افتتاح الخط الجوى بين القاهرة وطوكيو، وكانت رجاء وشنتال وتاتا يستعدين للقيام بأول عرض للأزياء فى طوكيو وفى الساعة الثانية بعد الظهر بدأ عرض الازياء.
نادية تقدم خضرة
وقفت نادية الخادم التقدم العرض فى الميكروفون أمام المدعوين، تحدثت عن القطن المصرى والموديلات المصرية، ثم بدأت العارضات الثلاث يتحركن أمام المدعوين وسط عاصفة من التصفيق، وأضواء المصورين، ومن بين الفساتين التى نالت الاعجاب فى الحفل، فستان أسود للسهرة كانت ترتديه شنتال وفستان كليوباترا كانت ترتديه رجاء، وفستان آخر لونه بمبی ارتدته تاتا، وفى نهاية عرض الازياء أعلنت نادية عن تقديم فستان "عين أبوها" و"خضرة" وهما فستانان للفلاحة المصرية، وظهرت رجاء ترتدى "عين أبوها"، وناتا ترتدی خضرة، وقوبل الفستانان بعاصفة من التصفيق والتحية، طلب منهما المصورون الوقوف تحت العلم العربى والتقطت لهما مئات الصور والأفلام.
وطلب أصحاب بيوت الأزياء شراء تصميم كل الفساتين، ولكن تبين أن هذه العملية لابد أن تتم عن طريق المستشار التجارى وفى النهاية تم الاتفاق مع عدد من بيوت الأزياء والتليفزيون اليابانى على تقديم عروض أزياء أخرى لحسابهم.
الملاية اللف فى طوكيو
وفى مساء نفس اليوم قدمت 5 محطات يابانية للتليفزيون لملايين اليابانيين حفل وعرض الازياء لمدة 3 دقائق خلال نشرات الأخبار، لتكون أول مرة يُعرض فيها خبر أثناء نشرة الاخبار ويستغرق هذه المدة، كانت فكرة عرض الأزياء أجمل دعاية لبلادنا وللقطن المصرى فى اليابان، استطاعت هذه الفكرة أن تدفع جميع الصحف ومحطات التليفزيون إلى تقديم البرامج والكتابة عن بلادنا بما يساوى ألوف الجنيهات.
وفى الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم خرجت عارضات الازياء الى شوارع طوكيو بالملابس التى قدمتها فى عرض الازياء تجمع حولهن مئات من اليابانيين واليابانيات، كانوا يسألونهن عن بلدهن فيقلن لهم: مصر، فيبتسمون وهم يرددون "ايجيبتو" وخلال جولتهن فى شوارع طوكيو أصر عدد من الفنانين اليابانيين المتجولين على رسمهن اعجابا بهن، وتمت عملية الرسم فى الشارع خلال 20 دقيقة وسط مئات من اليابانيين واستمرت جولتهن وهن بالملابس الوطنية حتى الساعة 11 مساء، كانت رجاء تلبس ملاية لف كأحسن بنت بلد وشنتال ترتدى فستان فلاحة "عين ابوها" وتاتا ترتدى فستان "خضرة"
كان التصوير من اليابانيون والسياح ينزلون من سياراتهم، وكانت الفتيات اليابانيات يتركن أعمالهن فى المحال التجارية ليتفرجن على المصريات فى الملابس الوطنية، إن هذا العرض الذى قدمته العارضات فى شوارع طوكيو تسبب فى تعطيل المرور فى بعضها يسبب الزحام الشديد على تحيتهن ومشاهدتهن.
ويختتم دويدار تقريره: "وقبل مغادرة بعثة التليفزيون وعارضات الأزياء لطوكيو، وصلت إليهن دعوة عاجلة من مانيللا فى الفلبين لتقديم عرض الأزياء هناك، وبعد مناقشة قبلت البعثة الدعوة وقررت زيارة هونج كونج تم السفر من هناك الى مانيللا عاصمة الفلبين"
بالعودة 4 أعوام بقل تاريخ نشر هذا العدد، سنجد أنه في عام 1958، كان الزعيم جمال عبد الناصر، يفتتح السوق الانتاج الصناعي والزراعي، وتحديدا جناح شركة "سیاهی" بصحبة مجموعة من المسئولين والوزراء وأعضاء وفود الغرف التجارية والصناعية والزراعية، حيث تنقل "آخر ساعة" في عددها ديسمبر 1958، اعجاب الرئيس بطريقة العرض المبتكرة التى انفردت بها الشركة في جناحها بالسوق، حيث عرضت منسوجاتها وأقمشتها الشعبية الممتازة على شكل فساتين ارتدتها مجموعة من عارضات الازياء بينهن ملكة القطن لعام 9158 الآنسة رجاء الجداوى.
رجاء الجداوي تقوم تعرض منتجات القطن المصري
ربما يكون سفر رجاء الجداوي ومشاركتها في عرض منسوجات شركة وطنية، فصلا من فصول تألق رجاء الجداوي قبل دخولها لعالم الفن، لكن بالنظر للموقفين الآن، سنجد أنهما يؤرخان بشكل قاطع لعظمة الإنتاج المصري والصناعة في ستينيات القرن الماضى، وكيف كان للقطن المصري تأثير عالمي وكبير.

Trending Plus