قانون العمل الجديد يدخل حيز التنفيذ.. 87 قرارا تنفيذيا تدشن عهدا جديدا للعلاقات العمالية فى مصر.. انتهاء عصر الفصل التعسفى والقضاء وحده يقرر مصير العامل.. مفتشون بصلاحيات الضبطية ومنصة إلكترونية ترصد المخالفات

دخل قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 حيز التنفيذ اعتبارا من l من سبتمبر الجاري، وذلك بعد أن أكد محمد جبران وزير العمل أن الوزارة انتهت من وضع 87 قرارا تنفيذيا تعد بمثابة مكمل أساسي للقانون لضمان تطبيقه بصورة شاملة ومنظمة.
وأوضح الوزير، أن هذه القرارات التنفيذية جرى إعدادها بعد حوار مجتمعي موسع شاركت فيه مختلف الفئات المعنية من أصحاب الأعمال والعمال وممثلي النقابات والوزارات المختصة، بهدف تحقيق التوافق الكامل قبل بدء التطبيق العملي.
تتوزع القرارات التنفيذية البالغ عددها 87 قرارا بين جهات عدة، حيث تختص وزارة العمل وحدها بإصدار 62 قرارا تنفيذيا، بينما تصدر بقية القرارات من مجلس الوزراء ووزارة الصحة ووزارة الصناعة وغيرها من الجهات المعنية وفقا لاختصاص كل منها. وأكد جبران أن هذه الخطوة تهدف إلى تكامل الأدوار وضمان أن تكون آليات التنفيذ موزعة على جميع الجهات ذات الصلة.
وأشار وزير العمل، إلى أن المرحلة السابقة على دخول القانون حيز التنفيذ تضمنت فترة انتقالية امتدت منذ التصديق عليه في مايو الماضي وحتى بدء التطبيق في سبتمبر، وهي فترة جرى خلالها عقد مشاورات مكثفة مع الأطراف المختلفة، وذلك لإتاحة الوقت الكافي للتوافق على آليات التنفيذ ومنح أصحاب الأعمال والعمال فرصة الاستعداد للتغييرات الجديدة، فضلا عن التشاور مع وزارة العدل والجهات المختصة لضمان وضوح الصياغة القانونية وسهولة التطبيق على أرض الواقع.
كشف الوزير عن نظام عقود جديد يتضمن أربع نسخ: نسخة في وزارة العمل، ونسخة في التأمينات الاجتماعية، ونسخة مع صاحب العمل، ونسخة مع العامل. وأكد أن عدم تحرير عقد مكتوب يعتبر العامل في حالة تعاقد دائم مع صاحب العمل، مشددا على أن العقد يضمن ثلاثة عناصر أساسية: الأجر العادل، والتأمين الطبي، والتأمينات الاجتماعية.
وأوضح جبران الفرق بين الاستقالة واستمارة 6 سيئة السمعة، مؤكدا أن الاستقالة يجب أن تعتمد من مكتب العمل أو المديرية أو وزارة العمل لتكون معتبرة أمام المحاكم. وأضاف أن عدم اعتماد الاستقالة يعتبر انقطاعا عن العمل ويؤدي إلى الفصل، مؤكدا أن القانون الجديد يحل مشكلة العقود من الباطن بجعل حقوق العمال تضامنية مع الشركة الأم، مما يمنع تنصل الشركات الأساسية من التزاماتها تجاه العمال المتعاقدين مع شركات إلحاق العمالة.
أوضح الوزير، أن العمال يمكنهم التوجه إلى وزارة العمل في مديرياتها أو مكاتب العمل لتقديم الشكاوى، حيث تقوم الوزارة باستدعاء أصحاب المصانع ومحاولة التوصل لحلول من خلال المفاوضة، وفي حالة فشل ذلك يرفع الأمر للقضاء. وشدد على أن فصل العمال أصبح من اختصاص المحاكم فقط، وأن أي فصل تعسفي يستحق تعويضات كبيرة، مؤكدا أن القاضي له سلطة تقديرية في تحديد التعويض المناسب حسب ظروف كل حالة.
وأوضح أن للشكاوى خطوات يسبقها تفاوض مع العامل وصاحب العمل، حيث تحل الوزارة مشكلات كثيرة بدلا من الفصل أو التقاضي، وإن وصلت لطريق مسدود، فإنه يتم رفع الأمر للقضاء الذي يفصل بشكل عادل، مؤكدا أن الهدف هو تحقيق الاستقرار والأمان الوظيفي.
أشار الوزير، إلى أن مفتشي العمل يتمتعون بصفة الضبطية القضائية ويقومون بتفتيش مفاجئ على المنشآت، كما كشف عن إطلاق منصة إلكترونية لرفع بيانات جميع العمالة، مما يساعد في مراقبة التزام المنشآت بتسجيل عمالها. وأكد أن عدم وجود عقود مكتوبة أو عدم تطابق أعداد العمال المسجلين مع الواقع يؤدي إلى غرامات على المنشآت المخالفة.
وفي إطار الاستعداد لتطبيق القانون الجديد، أطلق وزير العمل حملة "سلامتك تهمنا" لحماية عمال التوصيل، مؤكدا أن هذه الفئة تقدم خدمات كبيرة وتحتاج للحماية والأمان والعمل اللائق. وأشار إلى أن العالم كله بدأ ينظر لعمالة المنصات والتطبيقات، وأن مصر تتخذ خطوة مبكرة في هذا المجال.
وحدد الوزير متطلبات السلامة لعمال التوصيل، والتي تشمل: الخوذة، والجوانتي، والسترة العاكسة للضوء، والتدريب على القيادة الآمنة. وأكد أن الشركات التي لا تلتزم بتوفير معدات السلامة للعمال ستواجه غرامات كبيرة، مشيرا إلى أن الهدف هو نقل عمال التوصيل من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، بحيث يدخلون في منظومة التأمينات الاجتماعية والتأمين الطبي، ويتم إحصاؤهم كعمالة في السوق المصري.
كما أنه في ظل القانون الجديد، ووفقا للتوجه الجديد للوزارة، فإن الدور الرقابي لم يعد كافيا لمواجهة تحديات السوق، فقد بدأت الوزارة بالفعل في التحرك لتوفير فرص عمل بالخارج بالمجان، وذلك عبر التواصل المباشر مع الدول والشركات الأجنبية ومن خلال تفعيل دور مكاتب التمثيل العمالي التابعة لها. ويضع هذا التوجه الجديد الوزارة في موقع المنافس المباشر للشركات الخاصة، بهدف خلق سوق أكثر انضباطا وتقديم بديل حكومي آمن وموثوق للشباب الباحث عن فرصة عمل في الخارج.
ويعد الهدف الرئيسي من هذا التحول هو "قفل الباب على السماسرة" ورفع العبء المادي عن كاهل الشباب، فبدلا من أن يقتصر دورها على معاقبة الشركات بعد وقوع المخالفة، أصبحت الوزارة تقدم حلا استباقيا، وتتولى بنفسها عملية توفير الفرص، مما يضمن عقودا موثقة ورسمية، ويحمي العامل من أي محاولات استغلال أو تحايل، ويصون كرامة العامل المصري التي هي جزء من كرامة الدولة.
من أبرز مكاسب القانون الجديد تحقيق العدالة الناجزة، حيث تضمن "المحكمة العمالية" الفصل في النزاعات العمالية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. والأهم من ذلك، أن القانون الجديد يرسخ الأمان الوظيفي الحقيقي للعامل، حيث أصبح فصل العامل لا يتم إلا بموجب حكم قضائي من المحكمة العمالية المختصة، منهيا بذلك حق الفصل الأصيل لصاحب العمل. ويهدف ذلك إلى جعل القطاع الخاص بيئة عمل آمنة ومستقرة تضاهي الأمان الوظيفي في الجهاز الإداري للدولة، مع ضمان الحصول على تعويض مناسب في حالات الفصل التعسفي.
ولضمان عدم التحايل، وضع القانون ضوابط مشددة على الاستقالات، حيث ألزم بضرورة اعتماد أي استقالة من مكاتب العمل أو المديريات أو الوزارة، ولا يعتد بها إذا لم يتقدم العامل بنفسه لتقديمها، وهو ما يقضي على ممارسة إجبار العمال على توقيع استقالات مسبقة مع "استمارة 6". ويهدف القانون إلى مواكبة كافة التغيرات في سوق العمل، بما يتوافق مع معايير العمل الدولية وأنماط العمل المستحدثة، مما يخلق بيئة جاذبة للاستثمار.
أولى القانون اهتماما خاصا بتمكين المرأة العاملة، حيث نص صراحة على عدم التمييز في الأجر بين الرجل والمرأة، وضمن للمرأة حقوقا واسعة في إجازة الوضع تصل إلى أربعة أشهر لثلاث مرات. ولتعزيز شعور المرأة العاملة بالأمان على أطفالها ودعم زيادة الإنتاج، ألزم القانون المنشآت بإنشاء حضانات وفق ضوابط محددة. وأشار الوزير إلى أن المرأة المصرية أثبتت جدارتها في اقتحام مجالات عمل جديدة وغير تقليدية، كسائقات الأتوبيس وعاملات على الأوناش الثقيلة في الموانئ.
في خطوة هامة تهدف إلى دعم مناخ الاستثمار وتحقيق المرونة في التطبيق، كشف وزير العمل عن تبني القانون الجديد لفلسفة "التفكير خارج الصندوق" لمعالجة بعض الشكاوى السابقة من أصحاب الأعمال. وأوضح جبران أنه سيتم طرح نظام اختياري جديد يتيح لأصحاب الأعمال التعاون مع شركات خاصة، معتمدة من وزارة العمل، لتتولى عمليات التفتيش الخاصة بالسلامة والصحة المهنية، ومنح شهادات للمؤسسات الملتزمة.
هذا الإجراء يمنح صاحب العمل حرية اختيار الشركة التي ستجري التفتيش على منشأته من بين قائمة الشركات المعتمدة، مما يمثل تيسيرا غير مسبوق. وأكد الوزير أن من أبرز ملامح القانون الجديد الداعمة للاستثمار هو إلغاء عقوبة الحبس لأصحاب الأعمال في المخالفات، مع استبدالها بفرض غرامات مالية كبيرة ورادعة.
وشدد جبران على أن هذه التيسيرات لا تعني التهاون في الرقابة، حيث ستطلق الوزارة حملات تفتيش منتظمة ومكثفة على مستوى الجمهورية مع بدء تطبيق القانون في الأول من سبتمبر، لضمان الالتزام الكامل ببنوده الأساسية، وعلى رأسها الحد الأدنى للأجور وتطبيق معايير السلامة والصحة المهنية.
وكشف الوزير عن خطط لاستهداف العمالة الأجنبية غير الحاصلة على تصاريح للعمل داخل مصر خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أنه لا توجد دولة بالعالم تترك عمالة أجنبية على أراضيها دون تصريح عمل. وطالب كل العمالة الأجنبية في مصر غير الحاصلة على التصاريح بالتوجه إلى وزارة العمل لاستخراج التراخيص اللازمة.
أكد محمد جبران، أن الوزارة ملتزمة بتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء، بهدف إرساء بيئة عمل لائقة تحقق المزيد من الأمان الوظيفي والاستقرار، وتجذب الاستثمار داخل الجمهورية الجديدة التي تترسخ قواعدها تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ويمثل دخول قانون العمل الجديد حيز التنفيذ نقلة نوعية في تاريخ العلاقات العمالية بمصر، حيث يحقق التوازن المطلوب بين حماية حقوق العمال وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، مما يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن.

Trending Plus