القارة العجوز على صفيح ساخن.. استعدادات عسكرية وصحية غير مسبوقة في مواجهة شبح الحرب.. فرنسا تجهز المستشفيات لاستقبال الجنود المصابين.. خطط طوارئ شاملة فى ألمانيا.. دول البلطيق تعزز الملاجئ.. وتوسيع قواعد الناتو

تشهد أوروبا هذه الأيام حالة غير مسبوقة من القلق والتأهب، مع تصاعد المخاوف من انزلاق القارة إلى مواجهة عسكرية واسعة، في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتوسع رقعة التوترات على حدود الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. هذه الأجواء دفعت عدة دول أوروبية إلى تسريع خططها الدفاعية، وتعزيز بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، تحسبًا لأي تطور قد يهدد أمنها واستقرارها.
فرنسا: تجهيز المستشفيات لموجة طوارئ
في فرنسا، لا يقتصر الاستعداد على تعزيز القدرات العسكرية، بل امتد ليشمل القطاع الصحي. وزارة الصحة أعلنت عن خطط لتجهيز المستشفيات والمراكز الطبية للتعامل مع سيناريوهات جماعية للطوارئ، بما في ذلك استقبال أعداد كبيرة من الجرحى في حال نشوب نزاع مسلح. كما أطلقت الحكومة تدريبات مشتركة بين الطواقم الطبية والجيش، في خطوة تعكس إدراك باريس أن أي مواجهة كبرى ستتطلب جبهة داخلية قوية قادرة على الصمود.
ألمانيا: خطط طوارئ شاملة
أما ألمانيا، فتتحرك بسرعة لتعويض سنوات من التراجع في الإنفاق العسكري. برلين وضعت خططًا شاملة للطوارئ تشمل إعادة تفعيل بعض الملاجئ التي تعود للحرب الباردة، وتخزين الإمدادات الاستراتيجية من الغذاء والوقود، بالإضافة إلى تعزيز قدرات الجيش الألماني بالاستثمار في الدفاع الجوي وأنظمة الردع الحديثة، كما يعمل البرلمان الألماني على مراجعة سياسات الدفاع الوطني لضمان سرعة التحرك في حال اندلاع أزمة مفاجئة.
دول البلطيق: تعزيز الملاجئ وتحصين المدنيين
في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، الدول الصغيرة الواقعة على خط المواجهة مع روسيا، تبدو الاستعدادات أكثر وضوحًا. الحكومات هناك خصصت ميزانيات إضافية لتعزيز الملاجئ وتوسيعها، وتدريب المدنيين على إجراءات الإخلاء والحماية. كما تشهد المدارس والجامعات برامج توعية تهدف إلى رفع جاهزية المجتمع المدني لمواجهة أي طارئ، في ظل قناعة واسعة بأن هذه الدول ستكون في مقدمة المتأثرين بأي مواجهة محتملة.
بولندا: دفاعات جديدة على الحدود الشرقية
بولندا، التي تعد واحدة من أبرز داعمي أوكرانيا، شرعت في بناء دفاعات واسعة على طول حدودها الشرقية. وتشمل هذه الدفاعات تحصينات عسكرية، نقاط مراقبة متقدمة، وزيادة في عدد القوات المتمركزة قرب الحدود مع بيلاروسيا. ووفقًا لوزارة الدفاع البولندية، فإن هذه الخطوات تأتي في إطار "حماية الأمن القومي"، لكنها في الوقت نفسه رسالة ردع واضحة لموسكو.
رومانيا: قواعد الناتو تتوسع
رومانيا من جانبها أصبحت محورًا مهمًا في استراتيجية الناتو على البحر الأسود. خلال الأشهر الأخيرة، توسعت القواعد العسكرية التابعة للحلف على الأراضي الرومانية، مع وصول تعزيزات من القوات الأمريكية والأوروبية. وقد أكد مسؤولون في بوخارست أن هذه الاستعدادات ليست فقط دفاعية، بل تهدف أيضًا إلى طمأنة الشعب الروماني بأن بلاده لن تُترك وحيدة في مواجهة أي تهديد.
أوروبا بين القلق والتماسك
ورغم اختلاف مستويات الاستعداد بين الدول الأوروبية، إلا أن القاسم المشترك بينها هو إدراك أن الحرب في أوكرانيا لم تعد شأنًا محليًا أو إقليميًا فحسب، بل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي بأسره. ومن هنا تأتي التحركات المتسارعة التي توازن بين الدفاع العسكري وتعزيز الجبهة الداخلية.
مع ذلك، لا تزال هناك أصوات داخل أوروبا تحذر من أن هذه الأجواء قد تزيد من حدة التوتر بدلًا من تخفيفه، وتدعو إلى التركيز على المسار الدبلوماسي. لكن الواقع الميداني في أوكرانيا، وتصاعد لغة التهديد بين موسكو وحلف الناتو، يجعل من سيناريو الحرب الشاملة أمرًا لا يمكن استبعاده.
على وقع هذه التطورات، تبدو "القارة العجوز" وكأنها تعيش مرحلة شبيهة بزمن الحرب الباردة، لكن بتهديدات أكثر تعقيدًا ترتبط بعالم مترابط اقتصاديًا وتقنيًا. وبينما تعزز فرنسا المستشفيات، وتضع ألمانيا خطط الطوارئ، وتحصّن دول البلطيق ملاجئها، وتبني بولندا دفاعاتها، وتوسّع رومانيا قواعد الناتو.

Trending Plus