هل يجزئ فى كفارة اليمين إخراج القيمة نقدًا بدلًا من الإطعام أو الكسوة؟

دار الافتاء
دار الافتاء
كتب ـ لؤى على

هل يُجزئ في كفارة اليمين إخراجُ القيمة نقدًا بدلًا عن الإطعام أو الكسوة المنصوص عليهما، أو يلزم التزامُ ظاهر النص دون عدولٍ عنه إلى غيره؟، سؤال أجابت عنه دار الافتاء بالآتى:

يجوز لمن حنث في يمينه أن يُكفِّر عنها بدفع القيمة نقدًا للفقراء بدلًا عن الإطعام أو الكسوة، وهو الأقرب إلى تحقيق مقصود الشارع من إيجاب الإطعام والكسوة في الكفارة.

سبب مشروعية كفارة اليمين


شرع الله تعالى كفارة اليمين حفظًا لحرمة الأيمان أن تُبتذل، وزجرًا للنفوس أن تتساهل في إطلاقها، وجبرًا لما فات من الوفاء بعد الحِنث، فجعلها سبيلًا إلى التَّخلُّص من موجب اليمين على وجهٍ مشروع، كما قال سبحانه: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: 2].

قال الإمام البَغَوِي في "معالم التنزيل" (5/ 117، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: بيَّن وأوجب أن تُكفِّروها إذا حنثتم، وهي ما ذكر في سورة المائدة] اهـ.

بيان كفارة اليمين


كفارة اليمين ثلاثُ خصالٍ على سبيل التخيير: إطعامُ عشرةِ مساكين ممَّا يطعم الإنسانُ أهلَه، أو كسوتُهم بما يُعَدّ كسوةً مجزئة في العُرف، أو عِتقُ رقبةٍ مؤمنة، فإن عجز المُكفِّرُ عن جميع ذلك، صام ثلاثة أيام، على سبيل الترتيب لا التخيير، كما قال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89].

قال الإمام أبو بكر بن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء" (7/ 128، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أنَّ الحانث في يمينه بالخيار: إن شاء أَطعَم، وإن شاء كَسَا، وإن شاء أَعتَق، أيَّ ذلك فَعَل يجزئه] اهـ.

حكم إخراج القيمة في كفارة اليمين


تمسَّك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة بظاهر النص الوارد في خصال الكفارة، فمنعوا إخراجها بالقيمة؛ لأن الكفارة عبادةٌ ماليةٌ محددة، وردت على وجهٍ مخصوص، وبيَّن الشرع مقاديرها وأعيانها، فلا يُعدل عنها إلى غيرها بالرأي والاجتهاد.

قال الإمام أبو عمر بن عبد البَرِّ المالـكي في "الكافي" (1/ 453، ط. مكتبة الرياض): [مَن حلف بالله عَزَّ وَجَلَّ على شيءٍ وحنث في يمينه فعليه الكفارة.. ولا تجوز في ذلك القيمة] اهـ.

وقال الإمام أبو الحسن المَاوَردِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 301، ط. دار الكتب العلمية): [لا يجوز أن يخرج في الكفارة قيمة الطعام] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 388، ط. عالم الكتب) في سياق حديثه عن كفارة اليمين: [(ولا يجزئ إخراج القيمة) لأن الواجب هو الإطعام، وإعطاء القيمة ليس بإطعام] اهـ.

بينما أجاز الحنفية والإمامُ الأوزاعي إخراج القيمة في كفارة اليمين، وعدُّوه مجزئًا متى بلغت ما يُعادل الإطعام أو الكسوة؛ إذ العبرة عندهم بتحقيق المعنى لا التقيُّد بالمبنى، وبوصول النفع إلى الفقراء لا بالتزام صورة الأداء.

قال شمس الأئمة السَّرَخسِي في "المبسوط" (2/ 156، ط. دار المعرفة): [إنَّ أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور والكفَّارات جائزٌ عندنا] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (9/ 542، ط. مكتبة القاهرة): [لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام، ولا الكسوة.. وأجازه الأوزاعي، وأصحاب الرأي؛ لأن المقصود دفع حاجة المسكين، وهو يحصل بالقيمة] اهـ.

المختار للفتوى في حكم إخراج القيمة في كفارة اليمين وسبب الاختيار

ما ذهب إليه الحنفية ووافقهم عليه الإمام الأوزاعي هو الأَولى بالترجيح عندنا، ونراه الأقرب إلى تحقيق مقصود الشارع من إيجاب الإطعام والكسوة في الكفارة، وذلك من وجهين:

الأول: أنَّ المقصود من الكفارة إغناء الفقير وسدُّ حاجته، وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالطعام أو الكسوة، بل قد يكون دفع القيمة في كثيرٍ من الأحوال أبلغ في تحقيق الكفاية، وأسرع في سد الخَلَّة، وأوفق بمصلحة الفقير مستحق كفارة اليمين، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخسِي (2/ 157).

الثاني: أنه لا يمنع من جهة اللغة ولا العرف إطلاقُ اسم الإطعام والكسوة على من دفع إلى الفقير دراهم يشتري بها ما يأكله أو يلبسه، فيُقال فيه: قد أطعمه وكساه، وإذا كان هذا الإطلاق سائغًا عرفًا، اندرج تحت عموم اللفظ القرآني، وانتظم في دلالته، ولم يخرج عنه.

ثم إنَّ الفقير لو مُلِّك الطعام فلم يأكله، بل باعه، أجزأ ذلك اتفاقًا، وكذلك لو أُعطي كسوةً فلم يلبسها وباعها لم يمنع من الإجزاء، مع أنَّ صورة الإطعام أو الكسوة لم تتحقق على ظاهرها، فدلَّ ذلك على أن المقصود ليس حصول المطعوم أو الملبوس في ذاته، وإنما المقصود إيصال قدرٍ معيَّن من المال إلى يد الفقير، كما في "أحكام القرآن" للإمام أبي بكر الجصَّاص (2/ 575، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة


بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز لمن حنث في يمينه أن يُكفِّر عنها بدفع القيمة نقدًا للفقراء بدلًا عن الإطعام أو الكسوة.


 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

عصام إمام لـ اليوم السابع باكيا: موعد جنازة شقيقتى لم تحدد وادعوا لها

وفاة شقيقة الزعيم عادل إمام أرملة الراحل مصطفى متولى

حسن شحاتة يقضى فترة النقاهة داخل المستشفى

تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار


مانشستر سيتى يكتسح كريستال بالاس بثلاثية بمشاركة شرفية لمرموش.. فيديو

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

نتيجة كلية الشرطة كاملة لعام 2025/ 2026 ثانوية عامة ومتخصصين.. فيديو

بيراميدز يتقدم بعرض لبتروجت لشراء حامد حمدان فى انتقالات يناير

كل ما تريد معرفته عن قتل وإصابة 42 شخصا بهجوم استهدف عيد حانوكا بأستراليا


رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد مشروع شركة المانع القابضة القطرية بالسخنة

ضبط المتهمين بإشعال النيران فى شخص أمام زوجته وإصابته بحروق خطيرة.. صور

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

بدء إبلاغ المقبولين بكلية الشرطة بنتائج القبول للعام الدراسى الجديد

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

قبول 1550 طالبًا من خريجي الحقوق بأكاديمية الشرطة

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

التنمية المحلية: تخفيض رسوم ترخيص المحال العامة لمدة 6 أشهر بنسبة تصل لـ50%

100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول

إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى