العمالة غير المنتظمة لها قانون يحميها.. الباعة الجائلون وعمال المقاولات والزراعة والمناجم حقوقهم محفوظة.. إعداد قواعد بيانات قومية وصندوق لاعانتهم في الأزمات وحالات التوقف عن العمل.. وتوفير خدمات صحية واجتماعية

تُمثل العمالة غير المنتظمة قوة إنتاجية ضخمة في الاقتصاد المصري، لاسيما وأنها تضم ملايين العاملين في قطاعات مهمة في مقدمتها الزراعة الموسمية، والمقاولات، والمناجم، والبحر، والخدمات المختلفة، ورغم أهميتها، فقد عاشت هذه الفئات لسنوات طويلة خارج المظلة الرسمية، لذا جاء قانون العمل الجديد الصادر برقم 14 لسنه 2025، بتنظيم متكامل لا ليحمي العمالة غير المنتظمة فقط، بل يدمجها في الاقتصاد الرسمي، مما يوسع قاعدة الإيرادات، ويعزز الإنتاجية من خلال التدريب، ويخفف من المخاطر الاجتماعية الناتجة عن البطالة أو فقدان الدخل المفاجئ، وهكذا يتحول القانون إلى أداة تنموية بامتياز، لا مجرد نص تنظيمي.
البداية انطلقت من مبدأ أساسي أرساه القانون الجديد، تتمثل في المساواة في الحقوق والواجبات بين العمالة غير المنتظمة العاملين في القطاع غير الرسمي مع العمال النظاميين، فلم يعد يتعامل مع هذه الفئات كحالات استثنائية، مع إتاحة مرونة خاصة تراعي طبيعة أعمالهم الموسمية أو المتقطعة، ومن هذا المبدأ العام جاءت باقي النصوص التي وضعت أسس السياسات والإدارة.
وعرف القانون " العامل غير المنتظم "، بأنه كل من يقوم بأداء عمل غير دائم بطبيعته مقابل أجر أيا كانت صورته، أو يعمل في مهنة أو حرفة لا ينظمها قانون خاص، مثل الباعة الجائلين وموزعي الصحف وغيرهم.
وحمل القانون، الوزارة المعنية بشؤون العمل، مسؤولية رسم السياسات العامة لتشغيل هذه الفئات، ولم يقتصر الأمر على القرارات الوزارية، بل اشترط التشاور مع النقابات العمالية وأصحاب الأعمال لضمان مشاركة جميع الأطراف.
وترجم القانون، من خلال آلية مؤسسية الحقوق التي أقرها، إلى واقع عبر التسجيل والحصر وإنشاء قاعدة بيانات قومية متكاملة، بما يوفر أساسا لكل خطط الدعم والحماية، حيث ألزمت المادة (77) الجهة الإدارية المختصة بحصر وقيد العمالة غير المنتظمة وفقا لتصنيفها وفئتها في السجلات الورقية أو الإلكترونية المُعدة لذلك، وكذلك إعداد قواعد بيانات قومية لهذه الفئات، وربطها بأجهزة ووزارات الدولة بالتنسيق مع الجهات المعنية لاسيما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي.
ومن السياسة إلى الأداة التنفيذية، جاء صندوق إعانات الطوارئ والخدمات الاجتماعية والصحية ليكون العمود الفقري لهذا الباب، فالقانون لم يكتفي بالتنظيم الإداري، بل وفر آلية مالية ومؤسسية تستجيب للأزمات وتقدم الدعم المباشر، وانشأ الصندوق ليكون كيانا عاما مستقلا، له مجلس إدارة متوازن يضم ممثلين عن الدولة، النقابات، وأصحاب الأعمال، بما يضمن أن إدارة شؤونه تعكس مصالح جميع الأطراف.
وحمل الصندوق على عاتقه اختصاصات واسعة تجعل منه أداة شاملة للحماية والدعم، وفي مقدمتها مسئوليته عن صرف إعانات الطوارئ في الأزمات الاقتصادية العامة أو الكوارث أو حالات التوقف المؤقت عن العمل، وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية، والمساهمة في سداد اشتراكات التأمين الاجتماعي، فضلا عن دوره إلى تدريب وتنمية المهارات، وتوفير أدوات العمل ووسائل الانتقال والإقامة، إضافة إلى دعم تطبيق اشتراطات السلامة المهنية.
واتسعت اختصاصات الصندوق لتشمل المساهمة في توفير أدوات العمل اللازمة لبعض فئات العمالة غير المنتظمة للقيام بأهمالهم، وتوفير سبل انتقال وإعاشة بمواقع العمل النائية، والمساهمة في تمويل عمليات حصر هذه الفئات، وإطلاق حملات توعوية للتعريف بحقوقهم، وإنشاء منصات إلكترونية لتقديم خدمات الصندوق ال رقمية، فضلا عن إقامة مشروعات تنموية تستهدف الارتقاء بأوضاعهم أو دمج العاملين في القطاع غير الرسمي علي المستوي القومي.
ولأن حماية العمالة غير المنتظمة لا يمكن أن تتحقق دون تمويل مستدام، فقد خصص القانون موارد متنوعة للصندوق، والتي تتراوح بين نسب محددة من أجور العاملين في قطاعات المقاولات والمناجم، واشتراكات شهرية رمزية يدفعها العمال، مرورا برسوم إضافية على بعض الخدمات، وصولًا إلى التبرعات وعوائد استثمار أموال الصندوق.
هذا التنوع في الموارد يوضح أن المشرع لم يترك الحماية الاجتماعية مرهونة بميزانية الدولة فقط، بل صمم آلية تمويل ذاتية قابلة للاستمرار، فجاءت المادة 82 لتقضي بأن تتكون موارد الصندوق، من نسبة لا تقل عن (1%) ولا تزيد على (3%) من قيمة الأجور الفعلية للعمالة غير المنتظمة في قطاع المقاولات والتشييد والبناء ، فإذا تعذر الوقوف على قيمة الأجور الفعلية تقدر قيمة الأجور حكمًا بنسبة لا تزيد على ( 20%) من قيمة العملية في المقاولات العامة ، ولا تزيد على (45%) في عمليات الخدمات والمصنعية، و نسبة لا تقل عن (1%) ولا تزيد على 3% من قيمة الأجور الفعلية للعمالة غير المنتظمة في قطاع المناجم والمحاجر وما في حكمها ، فإذا تعذر الوقوف على قيمة الأجور الفعلية تقدر قيمة الأجور حكمًا بنسبة لا تزيد على (15%) من قيمة العملية، واشتراك قيد لفئات العمالة غير المنتظمة الأخرى ، لا يقل عن 20 جنيها ولا يزيد على 200 جنيه شهريًا ، و نسبة (0.5% ) نصف في المائة من قيمة مبيعات المنتجات الزراعية التي تشتريها الدولة
كما اشتملت الموارد علي مبلغ 100 جنيه عن كل طلب توثيق أو طلب صحة توقيع أو صحة ونفاذ عقود بيع الأراضي الزراعية، مبلغ لا يجاوز 50 جنيهًا عن كل رخصة قيادة مهنية تصدر لأول مرة أو عند تجديدها، كافة أموال حسابات العمالة غير المنتظمة بمديريات العمل ، و عوائد الأصول والودائع الخاصة بها ، والتبرعات والهبات العينية والنقدية التي يوافق عليها مجلس الإدارة ، وبما لا يخالف القوانين واللوائح المعمول بها ، عائد الخدمات التي يقدمها الصندوق بمقابل رمزى ( إن وجدت ) ، وأخيراً عائد استثمار أموال الصندوق ، علي أن يصدر بتحديد فئات الرسوم والاشتراكات المشار إليها في هذه المادة ، وبما لا يزيد على الحد الأقصى المقرر ، ومواعيد الوفاء بها ، قرار من رئيس مجلس إدارة الصندوق .
ولضمان نزاهة الإدارة، نص القانون على أن أموال الصندوق تُعامل كأموال عامة تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، مع وجود موازنة مستقلة وحساب خاص بالبنوك، مما يظهر الحرص على ضمان الشفافية والرقابة، بما يحافظ على ثقة العمال وأصحاب الأعمال في المنظومة الجديدة.

Trending Plus