المستشفيات القبطية إرث كنسى يتحول إلى خدمة وطنية.. أعوام من الطب والرعاية فى أول صرح أهلى بالقاهرة.. خدمات صحية بتكلفة رمزية لكل المصريين ورسائل إنسانية لا تنفصل عن الإيمان.. والكنيسة تواصل الدعم بالتنمية

الكنيسة القبطية
الكنيسة القبطية
كتبت بتول عصام

حضور الكنيسة القبطية في المجال الصحي يعتبر إلى حد كبير الأبرز بين أدوارها المجتمعية، فإن تأسيس مستشفيات قبطية منذ أكثر من قرن ونصف، يكشف جانبًا مهمًا من التداخل بين الخدمة الكنسية والخدمة العامة.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على مستشفيين كانا في قلب هذا المشروع الصحي المسيحي: المستشفى القبطي بالقاهرة ومستشفى العذراء بالزيتون، باعتبارهما نموذجين مختلفين من حيث النشأة والتطور، لكن يجمعهما خيط واحد هو: خدمة الإنسان أي كل المصريين، لا الأقباط وحدهم.

المستشفى القبطي بالقاهرة أول مستشفى أهلى يتحول إلى رمز صحى ووطنى

لم تبدأ القصة من حجر الأساس، بل من فكرة إنسانية حملها ثلاثون قبطيًا اجتمعوا عام 1881 في بيت عريان مفتاح بالأزبكية، بحضور رموز فكرية ودينية من مسلمين ومسيحيين، أمثال الشيخ محمد عبده وعبدالله النديم.
وكان الهدف هو تأسيس جمعية أهلية باسم "المساعي الخيرية"، تطور اسمها لاحقًا إلى "الجمعية الخيرية القبطية"، التي أطلقت أول مستوصف خيري عام 1908، في زمن البابا كيرلس الخامس، وتكلف حينها 70 ألف جنيه – مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الوقت.


توسعت الجمعية، وبدلاً من المستوصف، أنشأت المستشفى القبطي الأول، الذي افتتح رسميًّا في 1911، وضم أقسامًا للجراحة والتمريض، وشهد عمل نخبة من الأطباء الرواد، مثل: د. نجيب باشا محفوظ، د. إبراهيم فهمي المنياوي، ود. حبيب الخياط.


وعلى مدار 15 عامًا، تنقلت المؤسسة من مقر إلى آخر مع تزايد المرضى، حتى تم بناء المستشفى القبطي الثالث عام 1926، في شارع رمسيس، الذي صار لاحقًا مقرًّا دائمًا ومَعلَمًا قاهريًّا لا تخطئه العين.
لم يكن المستشفى يخدم الأقباط فقط، بل كان مفتوحًا لجميع الفقراء دون تفرقة، في استجابة لشعار "مبدأ الإنسانية لا يتجزأ"، كما ورد في وثائق الجمعية. وحتى التمريض لم يكن حكراً على الأجانب، فقد تأسس داخله أول قسم مصري لتعليم الفتيات فنون التمريض.

بقي المستشفى تحت إشراف الكنيسة القبطية حتى تأميمه في ستينيات القرن العشرين، حين أُلحِق بالمؤسسة العلاجية الحكومية. لكن حتى بعد ذلك، ظل الطابع الكنسي حاضرًا، خاصة عبر فرق التمريض الإيطالية من الراهبات، اللواتي أقمن في المستشفى وخصص لهن دور كامل وكنيسة خاصة للصلاة.
المفارقة أن هذا المستشفى الذي بدأ كفكرة أهلية دينية، تحول بمرور الزمن إلى مؤسسة علاجية وطنية تخدم الجميع، حاملة إرثًا إنسانيًّا وروحيًا، وشاهدًا على تداخل الكنيسة بالهم العام في مصر.

مستشفى العذراء بالزيتون صرح طبي متكامل

حين أسس القمص بطرس جيد لجنة البر بالكنيسة القبطية في سبعينيات القرن الماضي، كان يحمل حلمًا يتجاوز المساعدات العينية المؤقتة. كان يؤمن بأن الرعاية لا تكتمل إلا بالتنمية، وأن الرحمة الحقيقية تتجلى في منح الإنسان وسيلة للعيش الكريم، لا مجرد إعالة عابرة.

في عام 1980، تجسد هذا الإيمان في مشروع مستشفى السيدة العذراء الخيري بحي الزيتون، ليكون أحد أبرز إنجازات لجنة البر التابعة للكرازة المرقسية. بُنيت المستشفى لتخدم الفقراء والمحتاجين من أبناء القاهرة ومحافظات الجمهورية كافة، ولتقدم رعاية طبية متكاملة بتكلفة رمزية، دون تفرقة أو تمييز، وبنخبة من أمهر الأطباء وأحدث الأجهزة.

خلال سنوات، لم تقتصر رسالة المستشفى على علاج المرضى فقط، بل غدت نموذجًا في العمل الكنسي التنموي المتكامل. فقدمت في تنوع أقسامها وخدماتها المتعددة صورة واضحة عن إمكانية الجمع بين الأداء الطبي عالي المستوى والرسالة الروحية الرحيمة. وبحسب رؤيتها، تسعى مستشفى العذراء لأن تكون رائدة في مجال الرعاية الصحية المتكاملة، من خلال بنية تحتية حديثة، وفرق طبية مؤهلة، وخدمات صحية تُراعي كرامة الإنسان واحتياجاته.

أما "رسالتها"، فهي كما وُثقت في أوراق تأسيسها: تقديم أفضل جودة ممكنة في مجال الرعاية الصحية، في بيئة آمنة وموثوقة، تسهر فيها فرق طبية مدربة على راحة المريض وأسرته، مستخدمة أحدث ما توصلت إليه تقنيات الطب الحديث.

تُعد المستشفى اليوم امتدادًا عمليًا لتاريخ طويل من الرعاية الكنسية للفقراء. ويُذكر أن لجنة البر، التي أسسها القمص بطرس جيد، كانت من أوائل الهيئات الكنسية التي تبنت مبدأ "التمكين عبر التنمية"، حيث عملت على إنشاء مشروعات صغيرة لتعليم الأسر الفقيرة حرفًا يعتاشون منها. هذا المفهوم تبناه البابا شنوده الثالث، فوسع اللجنة لتصبح نموذجًا معممًا في كل إيبارشية، ولا يزال البابا تواضروس الثاني يدعمها ويشدد على دورها الحيوي في خدمة المجتمع.
بهذا، لا تقف مستشفى العذراء عند حدود الجدران البيضاء والأجهزة الحديثة، بل تُمثل، بامتياز، مشروعًا رعويًا وإنسانيًا، بدأته الكنيسة المصرية بإيمان، وتواصل دعمه اليوم بروح الخدمة والشفاء معًا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزير الداخلية يعتمد نتيجة قبول دفعة جديدة بأكاديمية الشرطة

الأهلى يعرض على الرجاء المغربى 600 ألف دولار لشراء 6 شهور من عقد بلعمري

وفاة الفنان نبيل الغول.. أبرز مشاركاته ذئاب الجبل والشهد والدموع

ألمانيا تحبط هجوما إرهابيا على سوق عيد الميلاد واعتقال 5 أشخاص

الزمالك يتمسك بضم حامد حمدان في يناير بعد حل أزمة القيد


استشهاد المعتقل الفلسطينى صخر زعول داخل سجون الاحتلال

الدوري السعودي يستعد لاستقبال محمد صلاح.. والهلال يفتح خزائنه

تفاصيل عرض المليون دولار من برشلونة لضم حمزة عبد الكريم وموقف الأهلي

جون سينا يعلن اعتزال المصارعة الحرة WWE.. فيديو

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة


دموع وتصفيق وأرقام قياسية فى ليلة عودة محمد صلاح التاريخية.. فيديو وصور

سقوط 5 قتلى في إطلاق النار بأستراليا.. والشرطة تعلن مقتل أحد المنفذين

اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026

متى تنتهى انتخابات مجلس النواب 2025 بشكل نهائى؟.. اعرف آخر موعد

100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول

إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية

أكاديمية الشرطة تعلن نتيجة الطلاب المتقدمين لها اليوم

الأهلي يتعهد بالسماح لمصطفى شوبير بالاحتراف الأوروبى.. اعرف التفاصيل

6 جواهر تتألق فى كأس عاصمة مصر مع الأهلي والزمالك والمصري

مواعيد مباريات اليوم الأحد 14-12-2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى