لا عمل بدون ترخيص.. قانون العمل الجديد يضبط سوق الأجانب في مصر بعقوبات رادعة وآليات رقابية رقمية.. إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية شاملة للعمالة الأجنبية.. وغرامات تبدأ من 20 ألف وتصل إلى 50 ألف جنيه للمخالفين

** صاحب العمل يتحمل نفقات إعادة العامل الأجنبي إلى بلده عند انتهاء العلاقة التعاقدية
في خطوة تعكس جدية الدولة في ضبط سوق العمل وتعزيز الرقابة على وجود العمالة الأجنبية داخل مصر، كثفت مديريات العمل في مختلف المحافظات حملاتها التفتيشية مؤخرا للتحقق من تراخيص عمل الأجانب ومدى التزام أصحاب الأعمال بالقوانين المنظمة، وقد أسفرت هذه الحملات عن ضبط مئات المخالفين الذين يعملون دون الحصول على التراخيص القانونية اللازمة خلال الفترة القليلة الماضية.
وجاءت هذه التحركات في توقيت بالغ الأهمية، إذ دخل قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 حيز التنفيذ أول سبتمبر المقبل، ليحل محل القانون القديم رقم 12 لسنة 2003، حاملا معه تعديلات جوهرية في باب تنظيم عمل الأجانب تعكس رؤية تشريعية شاملة تجمع بين حماية العمالة الوطنية وتلبية احتياجات الاقتصاد المصري من الخبرات الأجنبية، وتضع لأول مرة إطارا أكثر صرامة ووضوحا لضبط هذا الملف الحساس.
وأعلنت وزارة العمل من خلال الحملات الرقابية، ضبط نحو 276 عاملا أجنبيا يعملون دون تراخيص قانونية في محافظة البحر الأحمر وحدها، وذلك خلال حملة مكثفة استهدفت عددا من المنشآت والشركات العاملة في القطاع السياحي والخدمي، وهو ما يشير إلى وجود أزكة عمل الأجانب دون ترخيص على أرض الواقع، ولم تقتصر هذه المخالفات على محافظة بعينها، بل امتدت إلى مختلف أنحاء الجمهورية، مما دفع وزير العمل إلى التأكيد على أنه لن يسمح بعد الآن بعمل أي أجنبي دون ترخيص، معلنا تشكيل وحدة متخصصة للتفتيش على تراخيص عمل الأجانب مزودة بأحدث الأنظمة الإلكترونية وبالتنسيق المباشر مع الجهات المعنية وإدارات الجوازات لضمان رقابة فعالة.
واتسم قانون العمل الجديد بتوسيع نطاق تعريف العمل الذي يخضع لأحكامه، حيث لم يعد مقتصرا على العمل التابع داخل المنشآت فحسب، بل امتد ليشمل كل عمل تابع أو حر أو لحساب النفس في أي مهنة أو حرفة بما في ذلك الخدمة المنزلية، الأمر الذي يجعل جميع أشكال عمل الأجانب في القطاع الخاص والعام وقطاع الأعمال العام والهيئات العامة والإدارة المحلية والجهاز الإداري للدولة خاضعة له، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل الذي يجوز للوزير المختص إعفاء الأجانب منه عند الضرورة، هذا التوسع يعكس إدراك المشرع لحقيقة أن العمالة الأجنبية لا تقتصر على المنشآت الكبرى فقط، بل تمتد إلى مهن وحرف متنوعة تحتاج بدورها إلى تنظيم ورقابة.
ويعد أبرز ما جاء به القانون الجديد ما نصت عليه المادة 71، التي أكدت بشكل صريح أنه لا يجوز للأجنبي العمل داخل البلاد إلا بعد الحصول على ترخيص من الوزارة المختصة، على أن يكون مصرحا له بدخول البلاد والإقامة بقصد العمل، كما حظرت على أصحاب الأعمال تشغيل أي أجنبي إلا بعد حصوله على هذا الترخيص، وأقرت هذه المادة رفع قيمة الرسم الذي يحصل عن الترخيص ليصبح لا يقل عن 5 آلاف جنيه ولا يزيد على 150 ألف جنيه، بعدما كان القانون القديم يحدد الحد الأدنى للرسم بألف جنيه فقط.
وبهذا، فإن المشرع لم يكتف بمجرد إعادة التأكيد على ضرورة الترخيص، وإنما عزز آليات الردع من خلال رفع قيمة الرسوم بشكل ملحوظ، في توجه يهدف إلى ضمان أن استقدام العمالة الأجنبية يتم بما يتوافق مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، كما منحت المادة الوزير المختص صلاحية إصدار قرار يحدد شروط الحصول على الترخيص وإجراءاته وبياناته وتجديده وحالات إلغائه قبل انتهاء مدته، بالإضافة إلى حالات الإعفاء من شرط الحصول عليه، فضلا عن تحديد المهن والأعمال والحرف التي يحظر على الأجانب ممارستها، وكذلك النسبة القصوى لتشغيلهم في المنشآت المختلفة، بما يضمن الحفاظ على أولوية العمالة الوطنية.
أما فيما يتعلق بالعقوبات، فقد شهدت بدورها تشديدا غير مسبوق مقارنة بالقانون السابق، فقد نص القانون الجديد على معاقبة كل من صاحب العمل والعامل الأجنبي المخالف بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 50 ألف جنيه، وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت بشأنهم المخالفة، كما تتضاعف العقوبة في حالة العود، مع إتاحة إمكانية إغلاق المنشأة أو سحب ترخيصها إذا استمرت في مخالفة القانون.
ولم يقف التشريع عند هذا الحد، بل ألزم أصحاب الأعمال بتحمل نفقات إعادة العامل الأجنبي إلى بلده عند انتهاء علاقة العمل، وإبلاغ الجهات المختصة في حال تغيب العامل لفترة طويلة، وذلك لضمان الرقابة الكاملة على وجود العمالة الأجنبية في البلاد ومنع أي تحايل محتمل، كما نص على إمكانية إبعاد العامل الأجنبي المخالف ومنعه من الحصول على تراخيص جديدة لفترة تتراوح بين عام و5 أعوام حسب طبيعة المخالفة، وهو ما يشكل رادعا قويا لكلا الطرفين، على خلاف القانون القديم الذي كان يركز على معاقبة صاحب العمل فقط ويكتفي بغرامات مالية بسيطة لم تعد تمثل أي ردع في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
ومن اللافت أن القانون الجديد لم يقتصر على النصوص بل ربطها بآليات تنفيذية عملية، حيث تم إنشاء وحدات متخصصة للتفتيش على تراخيص عمل الأجانب، واعتماد نظام إلكتروني موحد يربط بين وزارة العمل والجهات الأمنية وإدارات الجوازات، بما يسمح بالمتابعة اللحظية لحالة تراخيص العمل وتجديدها، كما نص على إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية شاملة لجميع العمال الأجانب، الأمر الذي يسهل عملية الرقابة ويغلق الباب أمام أي محاولات للتلاعب، وأدخل القانون نظام النقاط للمخالفات بحيث تتراكم المخالفات المسجلة ضد المنشأة أو العامل الأجنبي لتؤدي إلى عقوبات أشد عند بلوغ حد معين، وهو ما يمثل تطورا نوعيا في فلسفة الرقابة مقارنة بالقانون القديم الذي كان يكتفي بإجراءات تقليدية لا تحقق الرقابة الكافية.
وعند المقارنة بين القانون القديم رقم 12 لسنة 2003 والقانون الجديد رقم 14 لسنة 2025، نجد أن الأول كان يتضمن نصوصا عامة بشأن ضرورة الحصول على ترخيص للعمل دون أن يحدد بدقة شروط المتابعة وآليات الرقابة أو الجزاءات الرادعة، كما أن رسوم الترخيص كانت منخفضة ولم تحقق هدف تنظيم السوق بفعالية، في المقابل جاء القانون الجديد بنصوص واضحة ومفصلة، حيث شدد على ضرورة الجمع بين إذن الإقامة بغرض العمل من جهة، وترخيص وزارة العمل من جهة أخرى، بما يسد الثغرات التي كانت تسمح للبعض بالعمل بتصاريح إقامة غير مخصصة للعمل، كما رفع قيمة الغرامات، ووسع نطاق المسؤولية لتشمل العامل الأجنبي وصاحب العمل على حد سواء، وأضاف آليات جديدة مثل الرقمنة وقواعد البيانات والإغلاق الإداري للمنشآت المخالفة، وهو ما يعكس نقلة نوعية في التشريع تعبر عن وعي متنام بتعقيدات سوق العمل الحديث.
وتنعكس هذه التعديلات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بشكل متباين، فمن الناحية الإيجابية يسهم التطبيق الصارم للقانون في حماية فرص العمل المتاحة للمواطنين المصريين، ويضمن حصول الدولة على الرسوم والضرائب المستحقة من تراخيص العمل، كما يعزز من جودة العمالة الأجنبية المستقدمة بما يضمن إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني.
وبذلك يصبح قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، يمثل نقلة نوعية في تنظيم عمل الأجانب بمصر، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على رفع الرسوم أو تشديد العقوبات، وإنما جاء بتصور متكامل يبدأ من تعريف العمل نفسه ويمتد إلى الترخيص والرقابة والعقوبات والآليات التنفيذية، والحملات التفتيشية الأخيرة وما كشفت عنه من مخالفات واسعة النطاق تؤكد أهمية هذه التعديلات وضرورة التشديد في تطبيقها.

Trending Plus