لماذا يصدق البعض خرافة “نيبيرو"؟.. تأويلات تزعم وجود كوكب ضخم يظهر كل بضعة آلاف من السنين ليقترب من الأرض ويسبب الزلازل والبراكين.. وتقرير علمى يرد: لم يتم رصد أى جرم بهذا الاسم فى النظام الشمسى

في عصر التلسكوبات العملاقة والمسابير العابرة للنجوم ما زال البعض يصر على تصديق روايات لا أساس لها من الصحة مثل وجود كوكب يدعى نيبيرو قادم من أعماق الفضاء ليصطدم بالأرض.
وتحت عنوان لماذا يصدق البعض خرافة “نيبيرو؟ أعدة الجمعية الفلكية بجدة، تقريراً كشفت خلاله أن هذه الخرافة التي تنفيها جميع الأدلة الفلكية والعلمية لا تزال تجد لها جمهوراً واسعاً على الإنترنت، فما السر وراء ذلك؟ ولماذا يتمسك البعض بمثل هذه التصورات رغم وضوح بطلانها؟
التقرير أكد أن خرافة نيبيرو نشأت من تأويلات خرافية لنصوص سومرية ثم روّج لها أشخاص زعموا أن هناك كوكباً ضخماً يظهر كل بضعة آلاف من السنين ليقترب من الأرض ويسبب كوارث شاملة، ففي عام 2012 تزايد رواج القصة بسبب ربطها بنهاية تقويم حضارة المايا وظلت تظهر على فترات متقطعة عبر فيديوهات ومنتديات ومواقع المؤامرة.
وأكد التقرير: علمياً لم نرصد أى جرم بهذا الاسم أو المدار فى النظام الشمسى وناسا وغيرها من وكالات الفضاء نفت وجوده وقوانين الجاذبية والمدارات لا تسمح بوجود جرم خفى بهذا الحجم دون أن يرصد تأثيره على الكواكب الأخرى.
العلم وحده لا يكفى دائماً لإقناع الناس لأن العقل البشرى لا يتخذ قراراته دائماً بناء على المنطق فقط بل يتأثر بعوامل نفسية وثقافية وعاطفية، وفي حالة نيبيرو هناك مجموعة من الدوافع النفسية المعروفة تفسر الإيمان المستمر بهذه الخرافة، فهناك من يعتقد البعض بوجود من يخفي الحقيقة "نزعة المؤامرة" ويجد فى هذه الروايات مجالا لممارسة "الوعى الخاص" ورفض الرواية العلمية وهذه النزعة شائعة بين من فقدوا الثقة في الجهات العلمية.
إضافة ان خرافات نهاية العالم مثل نيبيرو توفر مخرجاً نفسياً لمن يخشون المستقبل أو ما يسمى (القلق الوجودي والخوف من الكارثة) لذلك تصديق هذه الخرافة يسقط القلق الداخلى على سبب خارجي ويجعل الشخص يشعر بأنه على علم واستعداد، كذلك الإيمان بخرافة مخفية عن الجميع يمنح الشخص شعورًا بأنه فهم شيئا لم يفهمه الآخرون وهو شكل من التعويض النفسي او الرغبة في التميز المعرفي.
وتشير الدراسات (مثل Pennycook & Rand, 2018) إلى أن من يفكرون "حدسياً" بدلاً من التحليل المنطقي هم أكثر قابلية لتصديق الخرافات.
التقرير قال: طبعاً الإنترنت يعيد عرض المحتوى المتشابه مراراً عبر الخوارزميات ومن يشاهد فيديو مزيف عن نيبيرو سيعرض له عشرات غيره فيعيش داخل دوامة رقمية تعيد تأكيد الخرافة وتضعف صوته النقدي، وبعض الناس يعانون من مشاكل داخلية (قلق واكتئاب وعزلة) فيسقطون هذه المشاعر على العالم الخارجي في شكل كارثة كونية قادمة ويظهرون إنكارا لأي حقيقة تعارض هذا التصور.
ولفت التقرير إلى أنه رغم أن تصديق خرافة نيبيرو لا يصنف كاضطراب في الطب النفسي لكن إذا تحول الاعتقاد إلى هوس دائم وإنكار للواقع مع انسحاب من المجتمع والخوف المستمر فقد يدخل ضمن أنماط تفكير غير سوية أو اختلال معرفي، مضيفا: خرافة نيبيرو قد تبدو قصة غريبة لكنها تكشف لنا الكثير عن طريقة تفكير الإنسان عندما يخلط الجهل بالعلم والاضطراب النفسي والعزلة الرقمية.
وقصة نيبيرو تعود إلى تسعينيات القرن الماضي عندما ظهرت كاتبة أمريكية تدعى نانسي ليدر زعمت، أن مخلوقات فضائية أخبرتها بأن كوكباً ضخماً يدعى "نيبيرو" سيقترب من الأرض ويؤدى إلى كارثة كونية عام 2003.
ولم يحدث شيء فى 2003 فتم "تأجيل الكارثة" إلى 2012 تزامناً مع نهاية تقويم حضارة المايا ثم إلى تواريخ لاحقة مثل 2017 و2020 والآن تعود الشائعات مجدداً في 2025، وجميع المزاعم حول نيبيرو لا أساس علمي لها فلا يوجد أي كوكب بهذا الاسم في سجل الاكتشافات الفلكية وجميع التلسكوبات الكبيرة حول العالم بما فيها التابعة لهواة الفلك تراقب السماء باستمرار ولا يمكن أن يكون هناك جرم ضخم يقترب دون أن يرصده أحد.
وكالة ناسا أكدت مراراً وتكراراً أن "نيبيرو هو خرافة إنترنت" لا أكثر” ولم الكواكب الكبيرة تُحدث اضطرابات في مدارات الكواكب الأخرى إن اقتربت وهذا لم يرصد أبدا.
وكذلك يزعم مروّجو الخرافة أن نيبيرو هو سبب الزلازل والبراكين وتسارع دوران الأرض وبل وحتى رحيل المجال المغناطيسي الأرضي وهذا غير صحيح، فالزلازل تحدث نتيجة حركة الصفائح التكتونية على أعماق القشرة الأرضية وهي ظاهرة داخلية معروفة ، والبراكين تثور عندما يتراكم الضغط في غرف الصهارة تحت سطح الأرض ولا علاقة لها بأي جرم سماوي.
وبالنسبة لتسارع دوران الأرض حول محورها فهو ناتج عن تغيرات طبيعية مثل ذوبان الجليد القطبي الزلازل الصخمةُ، وتغيرات الرياح وليس بسبب أي كوكب غامض، أما المجال المغناطيسي للأرض ليس ثابتاً وهو في حالة حركة دائمة منذ ملايين السنين. احياناً يضعف أو حتى ينعكس وهي ظاهرة طبيعية تحدث ببطء خلال آلاف السنين ولا توجد أي علاقة علمية بين نيبيرو الخرافي وتحولات المجال المغناطيسي ولم يرصد أي جرم قريب يؤثر عليه، وبعبارة واضحة جميع هذه الظواهر لها تفسيرات جيولوجية وفيزيائية معروفة ولا علاقة لأي كوكب خفي بها.
وتستخدم مفاهيم مثل "نيبيرو" ضمن ما يسمى بـ "علوم آخر الزمان" وهي ليست علوماً حقيقية بل خلط بين الدين والخرافات وغالبًا ما تربط هذه المزاعم بآيات قرآنية شريفة أو نبوءات تأويلية بشكل غير علمي ما يسبب خلطاً بين الدين والعلم دون أي دليل واقعي، وإن مثل هذه الخرافات تنتشر بسهولة بسبب الخوف من المجهول يجعل الناس أكثر تصديقًا لها والترويج المبالغ فيه على منصات التواصل واستخدام مصطلحات علمية خارج سياقها يعطي الانطباع الزائف بالموثوقية وغياب التفكير النقدي والوعي الفلكي لدى البعض.

Trending Plus