مريم فخر الدين في يوم ميلادها.. قادت "القافلة الناعمة" لمدينة المحلة الكبرى.. أُعجبت بالإنتاج واشترت قطعتى صوف.. دُهشت لوجود تنظيم للمرور داخل المصانع.. ولعبت مباراة ملاكمة شرفية مع محمود ذو الفقار وفازت عليه

امتلكت مصر في الخمسينيات والستينيات، من القوة الناعمة، ما مكّنها من تحقيق نهضة حقيقة وشاملة على كافة المستويات، اقتصاديا، وثقافيا، وفنيا ورياضيا، فالفنانون كان لهم دورا كبيرا وقويا ومؤثرا فى إبراز قوة الدولة الجديدة، ليس فقط بأعمالهم الفنية واسهاماتهم الإبداعية، ولكن بحضورهم القوى وتلاحمهم مع الواقع، وتسليط الضوء على مشروعات مصر العملاقة آنذاك، تزامنا مع الرحلات التى كانت تنظمها المدارس والجامعات نحو هذه المشروعات، وقد رصدت الصحافة في الخمسينيات والستينيات، العديد من زيارات الفنانين والشخصيات العامة، لهذه المشروعات العملاقة.
كانت المحلة الكبرى اسما كبيرا في عالم الاقتصاد المصري، والمشروعات العملاقة التي تبنتها الدولة في ذلك الوقت، وبالتالي، كانت الوفود والزيارات لا تنقطع عنه كمشروع قومي ضخم، حيث نرصد في عدد الكواكب في 13 مارس 1956 زيارة لمجموعة من الفنانين للمحلة الكبرى، على رأسهم، الفنانة مريم فخر الدين، والتى تحل اليوم 8 سبتمبر، ذكرى ميلادها، واحتفالا بعيد ميلاد "حسناء الشاشة"، نستعرض رحلتها في "القافلة الناعمة" للمحلة الكبرى، لتشهد على عظمة الإنتاج المصرى من الأقمشة.
وتحت عنوان: "الكواكب.. في المحلة الكبرى"، نشرت المجلة تفاصيل الزيارة، التي كانت تجمع كل من مريم فخر الدين وكريمان ورجاء عبدة ومحمود ذو الفقار، حيث يقول التقرير: "لم تكن واحدة من الفنانات الثلاثة تعلم أنها ستزور مدينة صناعية بهذه الضخامة أو أنها ستشهد انتاجا مصريا كاملا من الألف الى الياء.. تناول المدعوون طعام الغداء على مائدة الشركة مع المهندس احمد توفيق البكري المدير العام للشركة ولم يكن حديث المائدة حدیث غزل ونسيج بل حديث الفن والفنانين".
مريم فخر الدين تشاهد سير العمل في المشروع
بدأ الفنانون زيارتهم المصنع الصوف وظلوا ينتقلون من قسم الى آخر فشاهدوا الصوف الأسترالى وهو لم يزل خامة ثم تابعوه إلى أن رأوه خيوط ثم نسيجا ثم شاهدوا في معرفة أقمشة على مختلف الأنواع.. أُعجبت مریم فخر الدین بإنتاج المصانع من قماش الصوف فاشترت قطعتين بعد أن لمست نعومته وجمال ألوانه.
أصرت رجاء عبده على أن تحمل منها ما اشترته وكان بطانية من الصوف وقطعة قماش صوف وقالت إنها لم تكن تصدق أن مثل هذا القماش يصنع في مصر إلى أن تابعت صنعه خطوة خطوة، بينما قال محمود ذو الفقار أن زيارته لمصانع شركة مصر للغزل والنسيج ستحقق أملا له لا يزال يراوده وهو انتاج فیلم مصرى عن العمل والعمال في مصر.
مريم فخر الدين تمسك بصوف من انتاج المصنع
دهش الفنانون لوجود جنود التنظيم المرور داخل المصانع فذكر لهم المهندس توفيق البكري أن مصانع المحلة ومرافقها تقوم على مساحة تبلغ أكثر من 700 فنان وأن عدد موظفيها وعمالها يبلغ نحو 17 ألفا وأن الانتقال داخل هذه المدينة الصناعية يحتاج إلى السيارات ولابد من تنظيم حركة المرور في شوارعها وميادينها.
ويتابع التقرير: "زار الفنانون المرافق العامة التى أقامتها شركة الغزل والنسيج لموظفيها وعمالها وأمضوا أكثر من ساعة في المرور عليها بالسيارات.. وصعدوا إلى برج الساعة ويبلغ ارتفاعه نحو 70 مترا وشاهدوا المدينة الصناعية بمصانعها المتعددة وبمحطات الكهرباء والمياه وبالمدن السكنية وغير ذلك.. وصادف وصول الفنانين الى أعلى البرج أن دقت الساعة الخامسة، فوضعوا أصابعهم فى آذانهم.. وتعلقت كریمان بین السماء والأرض عندما أصرت على أن تلمس جرس الساعة الضخم.. وعندما دخل الفنانون إلى مطعم العمال، وهو يتسع لـ 5 آلاف عامل يتناولون الطعام في وقت واحد، كانت الوجبة التي تقدم من الفول المدمس وقد غرفت رجاء عبده لزميلاتها طبقاً من الفول.. واشتركت مريم فخر الدين في ماتش ملاكمة مع محمود ذو الفقار وكانت الغلبة لمريم فخر الدين طبعا".
مريم فخر الدين وكاريمان تمسكان بخيوط داخل المصنع
أرادت رجاء عبده آن تكون "اسبور" في ملعب ألعاب القوى فأمسكت بالحبل من بدايته وأرادت أن تصل إلى نهايته غير أنها وجدت نفسها كما بدأت.. والتفت العاملات حول الفنانين وطلبت احداهن من مريم فخر الدين أن تؤخذ لهن صورة تذكارية معها فحققت هي وزميلاتها رغبتهن.
اشتد ألم الاسنان على مريم فخر الدين فأخذت تبتلع الاسبرين ولاحظ المهندس احمد توفيق البكرى ذلك فنصحها أن تدخل مستشفى الشركة وقد عجبت لأن يكون في المؤسسة المصرية مستشفى كاملا كهذا المستشفى الذي يضم 57 سريرا ويعالج جميع الامراض.. طلب أكثر من عامل وعاملة الى الفنانات أن يوقعن بأسمائهن تذكارا لزيارتهن، وقال الفنانون أن زيارة مصانع المحلة تحتاج إلى وقت طويل وأعربوا عن رغبتهم فى استعمال زيارتهم فى فرصة أخرى، بينما ابدى الفنانون للمهندس أحمد توفيق البكري تقديرهم للترحيب الذي لاقوه في زيارتهم".
وفد الفنانين يتناول الفول في المدينة الصناعية
هكذا انتهى التقرير الصحفى الذى كشف تفاصيل رحلة فنانات مصريات إلى مدينة صناعية كالمحلة الكبرى، ورغم أن هذا التقرير قد مر عليه 70 عاما، إلا أنه كاشف إلى حد كبير إلى طريقة تعامل الفنانين مع المشروعات الكبرى والقومية لدولتهم، واهتمامهم بكافة التفاصيل، والحرص على توثيق الزيارة بصور مع العاملين والموظفين، ليتحقق مصطلح "القوة الناعمة" على أرض الواقع.

Trending Plus